🟡 شهر النفاق (قصة قصيرة)

 شهر النّفاق 


كان محمد شابًا في الخامسة والعشرين من عمره يعيش في مدينة عربية صغيرة، حيث يتردد صدى الأذان بين البيوت الطينية والشوارع الضيقة. لم يكن محمد مؤمنًا بالدين، فقد تخلى عن الإيمان منذ سنوات بعد أن بدأ يسأل أسئلة لم يجد لها أجوبة مقنعة في المسجد أو بين كتب التفسير. كان ملحدًا في قرارة نفسه، لكنه لم يعلن ذلك جهرًا أبدًا، ليس خوفًا من الموت، بل لأنه يعرف جيدًا أن المجتمع الذي يعيش فيه لا يرحم من يخرج عن الصف.
مع حلول شهر رمضان، بدأت معاناة محمد الحقيقية. كان الجميع من حوله يتحدثون عن الصيام والصلاة والتقرب إلى الله، بينما كان هو يشعر بغربة تامة. لم يكن يصوم، لكنه اضطر للتظاهر بذلك أمام عائلته وجيرانه. في الصباح، كان يتسلل إلى غرفته ليأكل شيئًا بعيدًا عن أعينهم، وفي العصر كان يخرج إلى مقهى بعيد يديره صديق قديم يعرف سره، ليشرب قهوته بهدوء بعيدًا عن النظرات الفضولية.
لكن المشكلة لم تكن في الصيام نفسه، بل في التدخل المستمر من الآخرين. كان عمه أبو خالد، رجل متدين ذو لحية كثة وصوت جهوري، يزورهم يوميًا ليحاضر الجميع عن فضل رمضان. في إحدى المرات، وجد محمد جالسًا في الصالة يقرأ كتابًا بدلاً من سماع القرآن، فانتفض العم غاضبًا: "ما هذا يا محمد؟! لماذا لا تستمع إلى كلام الله؟ ألا تخاف من عذاب القبر؟" حاول محمد التهرب بالقول إنه متعب ويحتاج إلى الراحة، لكن أبو خالد لم يتركه، بل بدأ يروي قصصًا عن الملحدين الذين "أكلهم الدود في قبورهم"، وهو ينظر إلى محمد بنظرات حادة كأنه يشك في شيء.
في الحي، كان هناك شاب آخر يدعى أحمد، كان معروفًا بتطرفه وانضمامه إلى جماعة متشددة. كان أحمد يراقب محمد باستمرار، وفي أحد الأيام، بينما كان محمد يسير في الشارع حاملًا كوب ماء في يده بعد أن ظن أن لا أحد يراه، اقترب منه أحمد فجأة وقال بصوت منخفض يحمل تهديدًا: "رمضان شهر الصيام، يا محمد. إذا كنت لا تحترم ديننا، فلماذا تعيش بيننا؟" شعر محمد بالخوف للحظة، لكنه رد ببرود: "أشرب الماء لأني مريض، هل تمانع؟" لم يقتنع أحمد، لكنه ابتعد بعد أن رمى محمد بنظرة نارية.
الأمور تفاقمت عندما بدأت والدته تلاحظ أنه لا يصلي التراويح معهم. في ليلة من الليالي، جلست إليه وقالت بحزن: "يا محمد، أنا أخاف عليك من الله. الجيران بدأوا يتكلمون عنك، يقولون إنك لا تصلي ولا تهتم بالدين. ألا تريد الجنة؟" كان قلب محمد يعتصر ألمًا وهو يرى دموعها، لكنه لم يستطع أن يقول الحقيقة. كيف يشرح لها أنه لا يؤمن بالجنة أو النار؟ بدلاً من ذلك، ابتسم ابتسامة باهتة وقال: "لا تقلقي يا أمي، أنا بخير."
لكن الضغط كان يزداد يومًا بعد يوم. في الأسبوع الثالث من رمضان، دعاه أحد أصدقائه القدامى إلى مائدة إفطار جماعية في المسجد. لم يكن بإمكان محمد الرفض دون إثارة الشكوك، فذهب على مضض. هناك، بدأ أحد الشيوخ يتحدث عن "المنافقين والكفار الذين يعيشون بيننا"، وكان ينظر إلى محمد بين الحين والآخر كأنه يوجه كلامه له. شعر محمد أن الجدران تضيق عليه، وأن الكلمات تخنقه. بعد الإفطار، خرج مسرعًا إلى الشارع ليتنفس، لكن أحمد تبعه وقال: "نعرف نوعك يا محمد. إذا لم تتوب، سترى ما يحدث لمن يرفضون الله."
في تلك الليلة، جلس محمد في غرفته يفكر. كان يشعر أن حياته أصبحت سجنًا، محاطًا بأشخاص لا يفهمون من هو ولا يقبلون أن يكون مختلفًا. لم يكن يريد مواجهة أو حرباً، كل ما أراده هو أن يعيش حياته بهدوء بعيدًا عن التسلط والتهديد. قرر أخيرًا أن يبحث عن مخرج، ربما السفر إلى بلد آخر حيث يستطيع أن يكون نفسه دون خوف. لم يكن القرار سهلاً، لكنه كان يعلم أن البقاء في هذا المكان سيقتله ببطء، ليس بالسكاكين أو الرصاص، بل بالكلمات والنظرات التي تحمل كراهية لا نهائية.
وهكذا، في آخر أيام رمضان، وبينما كان الجميع يحتفلون بعيد الفطر، كان محمد يحزم حقائبه في صمت، عاقدًا العزم على بدء حياة جديدة، حيث لا يُجبر على أن يكون شخصًا ليس هو.


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🔴 About The Orgasm

About The Orgasm . . The orgasm, a peak of sexual arousal, is a complex and multifaceted experience that varies significantly between indivi...