🟡 الكتاب الغامض (قصة قصيرة)

.

الكتاب الغامض

.

في مساءٍ بارد من ليالي الخريف، كان "مروان" يسير متثاقلاً في أزقة البلدة القديمة، يحاول الهروب من روتينه القاتل. كانت رائحة الكتب القديمة تنبعث من متجر صغير في نهاية الزقاق، فأثارت فضوله ودفعته للدخول. بدا المتجر كأنه مكان عتيق سقط من زمن آخر، مليء بالكتب المكدسة على الرفوف والطاولات.
اقترب مروان من رف خشبي مهترئ وبدأ يتفحص الكتب بعناية. فجأة، لفت نظره كتاب غريب؛ كان حجمه كبيرًا، وغلافه مصنوعًا من جلدٍ داكن منقوش عليه رموز غير مفهومة. لم يكن للكتاب عنوان ولا اسم مؤلف، ولكن شيئًا ما في مظهره شدّه بقوة لا يستطيع تفسيرها.
حمل الكتاب بحذر إلى صاحب المتجر، رجل مسنّ يرتدي نظارات مستديرة ويجلس خلف طاولة مليئة بالورق والحبر. سأل مروان بحذر:
"كم ثمن هذا الكتاب؟"
رفع الرجل رأسه ونظر إلى الكتاب بقلق قبل أن يقول:
"هذا الكتاب ليس للبيع، لكنه اختارك. إذا كنت تريده، فخذه بلا مقابل، لكن كن حذرًا... ليس كل ما فيه مناسبًا للقراءة."
تعجب مروان من الإجابة، لكنه قبل العرض وأخذ الكتاب معه.
عندما عاد إلى منزله، وضع الكتاب على الطاولة وبدأ يتأمله. كان غلافه دافئًا بشكل غريب، وكأن له نبضًا خاصًا. فتح الكتاب ليجد صفحاته مكتوبة بلغة لم يرها من قبل، لكنها بدت مألوفة. وبينما كان يتفحص الصفحات، ظهرت له فجأة جملة مكتوبة بلغة واضحة:
"هل أنت مستعد لاكتشاف الحقيقة؟"
شعر مروان بوخزة خوف، لكنه تجاهلها وواصل القراءة. فجأة، تحركت الجملة وكأنها تعيد تشكيل نفسها، لتظهر خريطة قديمة تشير إلى مكان بعيد خارج البلدة.
في اليوم التالي، حمل مروان الكتاب معه وذهب إلى ذلك الموقع المحدد على الخريطة. كان المكان مهجورًا، عبارة عن أطلال قديمة مغطاة بالطحالب والأشجار المتشابكة. شعر بشيء غريب يسيطر على الأجواء، لكنه استمر في البحث.
في وسط الأطلال، وجد مروان بوابة حجرية صغيرة منحوتة برموز مشابهة لتلك الموجودة على غلاف الكتاب. وضع يده على البوابة، فبدأت تهتز بلطف، وانفتح ممر مظلم يؤدي إلى نفق طويل.
دخل مروان النفق بحذر، وأضاء مصباحه اليدوي. كانت الجدران مغطاة بنقوش غريبة، بدا بعضها مألوفًا وكأنها جزء من قصص سمعها في طفولته. فجأة، وصل إلى قاعة واسعة تحتوي على منصة حجرية في المنتصف.
وُضع على المنصة الكتاب نفسه، لكنه بدا أكبر وأكثر قدمًا. تقدم مروان بحذر وفتح الكتاب ليجد أن صفحاته تعكس ذكرياته؛ طفولته، لحظاته السعيدة، وحتى أحلامه التي لم تتحقق.
لكن الأمور أخذت منعطفًا مرعبًا. بدأ الكتاب يعرض له أحداثًا مستقبلية، بعضها سعيد، وبعضها كابوسي. في صفحة معينة، قرأ عن حادث سير سيودي بحياته خلال أسبوع. حاول إغلاق الكتاب، لكنه لم يستطع.
عاد مروان إلى المنزل مضطربًا. هل يمكن أن يغيّر ما رآه في الكتاب؟ قرر مواجهة الأمر وبدأ يحذر من الاقتراب من أي مكان يمكن أن يتعرض فيه لحادث. لكنه لاحظ أن كل محاولاته لتجنب القدر تقوده إلى مواقف أكثر خطورة، وكأن الأمور كلها تتآمر عليه لإعادته إلى المسار المكتوب.
في أحد الأيام، أدرك مروان أن الكتاب لم يكن مجرد وسيلة لرؤية المستقبل، بل كان يختبر إرادته. قرر أخيرًا مواجهة مخاوفه والعودة إلى الأطلال لمعرفة الحقيقة.
عندما وصل إلى الأطلال مجددًا، وجد البوابة مفتوحة بانتظاره. دخل النفق ووصل إلى القاعة الحجرية، حيث رأى نفسه واقفًا أمامه، نسخة منه تحمل نفس الكتاب. نظرت النسخة إليه وقالت بصوت عميق:
"لقد فهمت الآن. الكتاب لا يكتب قدرك، بل يعكس قوتك على تغييره. المستقبل ملك لمن يجرؤ على مواجهته."
في تلك اللحظة، اختفى الكتاب مع النسخة الأخرى من مروان، ووجد نفسه في الخارج، عند أطلال كانت تبدو أقل غموضًا. عاد إلى حياته، لكنه أدرك أن الخوف من المستقبل هو الذي كان يقيده، وأنه قادر على تشكيل حياته كما يريد.
ومنذ ذلك اليوم، لم يعد يرى الكتاب مرة أخرى، لكنه احتفظ بالدروس التي تعلمها منه إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🔴 Bacha Bazi: Le phénomène, ses racines et les solutions possibles

Bacha Bazi: Le phénomène, ses racines et les solutions possibles . . Qu’est-ce que le Bacha Bazi ?   Le Bacha Bazi, qui signifie en persan «...