حلم الوصول إلى القمر
كان ياما كان في قديم الزمان، في حي صغير يقع بين الجبال الخضراء والسهول الممتدة، عاش طفل صغير اسمه سامي. كان سامي في السابعة من عمره، نحيل الجسم، أشعث الشعر، تلمع في عينيه الواسعتين نظرة فضول لا تنطفئ. كان يرتدي دائماً قميصاً أزرق بأكمام مطوية ويحمل دفتراً صغيراً في جيبه الأيمن لتدوين ملاحظاته وأفكاره.
منذ أن كان سامي في الرابعة من عمره، كان مفتوناً بالنجوم. كل ليلة، يتسلل إلى سطح منزل عائلته المتواضع، حاملاً معه بطانية صغيرة زرقاء مرقّطة بالنجوم، هدية من جدته في عيد ميلاده الماضي. يفرش البطانية ويستلقي عليها ناظراً إلى السماء الواسعة، متأملاً النجوم المتلألئة والقمر الفضي اللامع.
في إحدى الليالي الصافية، بينما كان سامي مستلقياً على السطح كالعادة، لمع القمر بشكل غير عادي، كأنه يناديه. شعر سامي بنبضات قلبه تتسارع وهمس لنفسه: "يوماً ما، سأصل إليك أيها القمر البعيد". ومنذ تلك الليلة، أصبح حلم الوصول إلى القمر هو شغل سامي الشاغل.
بدأ سامي رحلة البحث والمعرفة. كان يقضي ساعات طويلة في مكتبة المدرسة يقرأ كل ما يستطيع الحصول عليه عن الفضاء والأقمار والكواكب. كان يحفظ أسماء رواد الفضاء ويعرف تفاصيل رحلاتهم. علّق على جدران غرفته صوراً للصواريخ ومركبات الفضاء. وفي أوقات فراغه، كان يصنع نماذج صغيرة لمركبات فضائية من علب الكرتون الفارغة والأوراق الملونة.
لاحظت معلمة العلوم في المدرسة، السيدة سلمى، شغف سامي بالفضاء. كانت امرأة في الأربعين من عمرها، طويلة القامة، ترتدي نظارات مستديرة تعطيها مظهر العالِمة. ذات يوم، بعد انتهاء الدرس، دعت سامي للبقاء.
"سامي، لقد لاحظت حبك الشديد للفضاء،" قالت بابتسامة دافئة. "لدي شيء قد يعجبك."
أخرجت من درج مكتبها كتاباً قديماً عنوانه "رحلة إلى القمر". كان غلاف الكتاب مزيناً برسم لصاروخ فضائي يتجه نحو القمر.
"هذا الكتاب كان ملكي عندما كنت في مثل عمرك،" أوضحت المعلمة. "أعتقد أنه سيكون أكثر فائدة معك الآن."
تلقى سامي الكتاب بعينين متسعتين من الدهشة والامتنان. "شكراً جزيلاً يا آنسة سلمى!"
في تلك الليلة، لم يستطع سامي النوم. قرأ الكتاب بشغف، متخيلاً نفسه داخل الصاروخ المتجه إلى القمر. كان الكتاب يحتوي على معلومات علمية دقيقة عن القمر، مقدمة بأسلوب قصصي شيق. شعر سامي كأنه اكتشف كنزاً ثميناً.
في اليوم التالي، أعلن سامي لوالديه عن رغبته في أن يصبح رائد فضاء. نظر الأب، عامل البناء البسيط، إلى زوجته بارتباك. كانت الأم، خياطة ماهرة تعمل من المنزل، تحاول دائماً تشجيع ابنها على الحلم، لكنها كانت تخشى أن يصطدم بواقع قاس.
"يا بني، الوصول إلى القمر ليس بالأمر السهل،" قال الأب بنبرة حذرة. "يحتاج الأمر إلى سنوات طويلة من الدراسة والتدريب."
ابتسم سامي بثقة وقال: "أعرف يا أبي، وأنا مستعد للعمل الجاد. سأدرس بجد وسأتدرب كل يوم."
تأثرت الأم بعزيمة ابنها وقالت: "إذا كان هذا ما تريده حقاً يا سامي، فنحن سندعمك."
بدأ سامي في تنفيذ خطته بجدية. صمم لنفسه برنامجاً تدريبياً يومياً يشمل تمارين رياضية كان يعتقد أنها تشبه تدريبات رواد الفضاء. كان يجري حول الحي كل صباح، يقفز على الحبل، ويقوم بتمارين التوازن. وفي المساء، كان يحل مسائل الرياضيات والفيزياء التي كانت تتجاوز مستوى صفه بكثير.
في عيد ميلاده الثامن، فاجأه والداه بهدية لم يكن يتوقعها: تلسكوب صغير. لم يكن تلسكوباً غالي الثمن، بل كان تلسكوباً مستعملاً اشتراه الأب من سوق الأغراض المستعملة بعد أن ادخر لشهور. لكن بالنسبة لسامي، كان أثمن من الذهب.
تلك الليلة، نصب سامي التلسكوب على سطح المنزل، ووجهه نحو القمر. للمرة الأولى، رأى فوهات القمر وجباله وسهوله بوضوح. شعر بدموع الفرح تملأ عينيه.
"أراك الآن بوضوح أيها القمر العظيم،" همس سامي. "وقريباً، سأزورك."
مع مرور الأيام، أصبح سامي معروفاً في الحي باسم "فتى القمر". كان الأطفال يسخرون منه أحياناً، لكنه لم يكن يهتم. كان إيمانه بحلمه أقوى من كل السخرية.
في أحد الأيام، أعلنت المدرسة عن مسابقة للعلوم. كان على كل طالب تقديم مشروع علمي أصيل. لم يتردد سامي للحظة، قرر أن يبني نموذجاً لمركبة فضائية يمكنها الهبوط على القمر.
عمل سامي بجد لمدة أسابيع. استخدم مواد بسيطة: علب فارغة، ورق ألومنيوم، أسلاك معدنية، وبطاريات صغيرة. صمم المركبة بحيث تضيء مصابيحها عند الضغط على زر صغير. وأضاف لوحة تحكم مفصلة بأزرار ومؤشرات.
يوم المسابقة، وقف سامي أمام لجنة التحكيم المكونة من معلمي العلوم وبعض المهندسين المتطوعين من المجتمع المحلي. شرح سامي بحماس كيف صمم المركبة، والمبادئ العلمية التي استخدمها، وكيف يمكن لمثل هذه المركبة أن تهبط على سطح القمر.
فاز سامي بالمركز الأول في المسابقة. كانت الجائزة زيارة إلى مركز الفضاء الوطني في العاصمة، برفقة والديه والسيدة سلمى.
كانت الزيارة تجربة غيرت حياة سامي. رأى نماذج حقيقية للصواريخ ومركبات الفضاء. التقى برائد فضاء متقاعد كان قد قرأ عنه في الكتب. سأله سامي بشغف: "كيف يمكنني أن أصبح رائد فضاء مثلك؟"
ابتسم رائد الفضاء وقال: "عليك أن تؤمن بنفسك وبحلمك. ادرس بجد، خاصة الرياضيات والعلوم. حافظ على لياقتك البدنية. ولا تستسلم أبداً."
عاد سامي من الرحلة وقد تضاعفت عزيمته. بدأ يدرس بجدية أكبر، واستمر في تنفيذ برنامجه التدريبي. كان يتابع أخبار الفضاء باستمرار ويحتفظ بملف كامل عن البعثات الفضائية الحديثة.
وفي كل ليلة، قبل أن ينام، كان سامي يخرج إلى السطح، ينظر إلى القمر ويهمس: "انتظرني أيها القمر، سأصل إليك يوماً ما."
مرت السنوات، وكبر سامي وكبر معه حلمه. تفوق في دراسته، خاصة في الرياضيات والفيزياء. حصل على منحة دراسية في أفضل جامعة لدراسة هندسة الفضاء. وبعد سنوات من العمل الجاد والتدريب المكثف، تحقق حلمه أخيراً: تم اختياره ضمن فريق رواد الفضاء المتجهين إلى القمر في مهمة استكشافية جديدة.
يوم انطلاق الصاروخ، وقف والدا سامي والسيدة سلمى، التي أصبحت الآن في السبعين من عمرها، يشاهدون بفخر ودموع. وبينما كان الصاروخ ينطلق محلقاً نحو الفضاء اللانهائي، كان سامي يحمل معه البطانية الصغيرة المرقطة بالنجوم، ونسخة من كتاب "رحلة إلى القمر" الذي أعطته إياه المعلمة سلمى منذ سنوات طويلة.
وعندما وطأت قدماه سطح القمر للمرة الأولى، نظر سامي إلى الأرض البعيدة، تلك النقطة الزرقاء المتلألئة، وهمس: "لكل حلم بداية، ولكل رحلة خطوة أولى."
وهكذا، أصبح الطفل الفضولي الذي كان يحلم بالوصول إلى القمر، رائد فضاء يمشي على سطحه. لم يكن الأمر سهلاً، لكن إيمانه بحلمه، ودعم من حوله، وعمله الجاد، كل ذلك جعل المستحيل ممكناً.
وتبقى قصة سامي تذكيراً لكل طفل بأن الأحلام، مهما بدت بعيدة، يمكن أن تتحقق إذا آمنت بها وعملت من أجلها بإصرار وشغف.
* * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق