🟡 وراء الستائر المغلقة (قصة قصيرة)

 وراء الستائر المغلقة (قصة قصيرة)

.


.
كانت رائحة البُنّ المطحون حديثاً تملأ مقهى "الفراشة" الصّغير
، في زقاق ضيّق بقلب المدينة. آدم، الشّاب العشريني الذي يعمل نادلاً بدوام جزئي، كان يمسح الطّاولات بخشوع، بينما تتابعه عيناها من خلف نظّارتها. ليلى، المرأة الخمسينيّة التي اعتادت الجلوس عند الزّاوية البعيدة كلّ يوم ثلاثاء، كانت ترفع فنجان القهوة إلى شفتيها بيد مرتعشة، وكأنّها تحاول إخفاء شيء ما وراء ابتسامتها الهادئة.

في أحد الأيّام، بينما كان المطر يقرع زجاج النّوافذ بقوّة، تعثّرت ليلى وهي تحمل حقيبتها المليئة بكتب الأدب الفرنسي. التقط آدم الأوراق المتناثرة بسرعة، وعندما رفع عينيه، واجه نظرةً غريبةً - مزيجاً من الحنين والخوف - في عينيها.

"شكراً... آدم، أليس كذلك؟" قالت بصوتها النّاعم.

لم يكن يعلم أنّها تعرف إسمه.

 

---

 

بدأت ليلى تزور المقهى يوميًّا. في كل مرة، تترك وراءها قصاصة ورق عليها سطر من قصيدة لم تُنشر بعد. آدم، الطّالب في كلّيّة الآداب، وجد نفسه ينتظر تلك اللّحظة بقلق. وذات مساء، وجد قصيدة كاملة داخل ظرف وردي:

 

"أيّتها السّنوات العجاف،

عّلمتني أن الحبّ ليس عمراً...

بل جرحاً يضيء في الظّلام."

 

قرّر أن يردّ بإهدائها روايته المفضلة، "الحبّ في زمن الكوليرا"، مع إشارة إلى الصّفحة 132، حيث جملة رسم تحتها خطّا أحمرا: "كانت تعرف أنّ الحبّ لا يموت، حتّى عندما يختبئ تحت رماد الزّمن."

 

---

 

في شقة مفروشة في ضواحي المدينة، حيث إلتقيا لأول مرة خارج المقهى، اكتشف آدم أنّ ليلى أمٌّ لثلاث بنات: ياسمين، سلمى ودلال، أكبرهنّ عمرها ثمانية عشر عامًا. بينما كانت تحكي عن زواجها المبكّر من رجل الأعمال الذي يكبرها بعشرين عاماً، إنزلق إصبعها على ندبة خفيّة عند معصمها.

"الحياة تُعلِّمنا أن نعيش بأشلائنا"، همست قبل أن تنهض فجأةً لتعدّ الشّاي، تاركةً خلفها عطر "شانيل رقم 5" يلتف حوله كذكرى لا تُمحى.

 

---

 

في حفلة زفاف ابنة خال ليلى، إرتدت فستانًا أسودَ اللون لامعًا، بينما راقصها آدم تحت الأضواء الملوّنة.

"أنت كالرّيح... تأتي وتذهب دون أن تطلب الإذن"، قالت له بينما يدوران في دائرة ضيّقة.

لكن فجأة، توقّفت الموسيقى. على الشاشة الكبيرة، ظهر مقطع فيديو: ياسمين، الابنة الكبرى، تصوِّر سراً لقاءهما في الشّارع من وراء ستارة السّيّارة. اخترق الصّمت القاعة، وانفجرت ليلى في البكاء: "أنا لا أخاف من المجتمع... بل من عيون بناتي".

 

---

 

بعد أسبوع، وجد آدم ظرفاً أبيض عند باب شقته. داخله خاتم زواجها الذّهبي، وصورة قديمة لبناتها الثّلاث يضحكن في حديقة المنزل. على الظّهر كُتب:

"عندما تكون الأمّ نجماً، فالبناتُ هنَّ الكون الذي لا يُخسَفُ ضوؤه.

اغفر لي... لقد اخترتُ أن أحرق أحلامنا، لكي تُضيء شموع عيد ميلاد دلال."

 

---

 

مرت السنوات. كان آدم، الذي صار كاتباً معروفاً، يزور المقهى القديم بين الحين والآخر. في زاوية ليلى البعيدة، تجلس الآن سلمى - إبنتها الوسطى - تقرأ روايته الأخيرة: "وراء الستائر المغلقة". عندما ترفع عينيها، تلتقي نظراتهما للحظة... كأنما التّاريخ يعيد نفسه، لكن هذه المرّة، بكبرياء إمرأة تعرف أنّ بعض الحكايات تُكتَبُ لتُحفظ في أدراج مغلقة، لا لتُروى.

 

.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🔴 Bacha Bazi: Le phénomène, ses racines et les solutions possibles

Bacha Bazi: Le phénomène, ses racines et les solutions possibles . . Qu’est-ce que le Bacha Bazi ?   Le Bacha Bazi, qui signifie en persan «...