شريعة أورنمو: تاريخها، محتواها، وتأثيرها على تاريخ القانون
.
.
**1. التعريف والتاريخ:**
شريعة أورنمو Ur-Nammu هي أقدم مدونة قانونية مكتوبة مكتشفة حتى الآن، تعود إلى الحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين (العراق حاليًا). صدرت في عهد الملك أورنمو (حكم حوالي 2112–2095 ق.م)، مؤسس سلالة أور الثالثة، وكُتبت باللغة السومرية. تم اكتشاف أجزاء منها في مدينة "نيبور" السومرية عام 1952، وتعود إلى حوالي 2100–2050 ق.م، أي أقدم من شريعة حمورابي بحوالي ثلاثة قرون.
---
**2. محتوى الشريعة:**
- تضم 57 مادة قانونية باقية (من أصل قد يصل إلى 40-50 مادة إضافية مفقودة)، وتغطي مواضيع مثل:
- الجنايات: معاقبة جرائم مثل القتل والسرقة والاعتداء.
- العلاقات الاجتماعية: تنظيم الزواج والطلاق وحقوق النساء والأطفال.
- الاقتصاد: تحديد أجور العمال وتعويضات الأضرار الزراعية.
- العقوبات: اعتماد نظام **تعويض مالي** بدلًا من العقوبات الجسدية (مثل "العين بالعين")، مما يجعلها أقل قسوة من شريعة حمورابي.
- **مثال**: المادة 1 تنص على تعويض قدره **15 شيقل فضة** لمن يقتل عبدًا لآخر.
---
**3. الخصائص البارزة:**
- **التركيز على العدالة الاجتماعية**: تضمنت حماية للفقراء والأرامل والأيتام.
- **الربط بين الدين والقانون**: قدم أورنمو نفسه كممثل لإرادة الآلهة (خاصة الإله نانا، إله القمر).
- **التنظيم البيروقراطي**: ركزت على إدارة الدولة وتنظيم الزراعة والتجارة.
---
**4. التأثير على تاريخ القانون العالمي:**
- **الأولوية الزمنية**: تعتبر نقطة البداية لتطور فكرة **القانون المدون**، مما أثر على الشرائع اللاحقة مثل **شريعة لبت-إشتار** (1930 ق.م) و**شريعة حمورابي** (1755 ق.م).
- **نموذج للشرائع القديمة**: قدمت هيكلًا قانونيًا اعتمدت عليه حضارات بلاد ما بين النهرين في صياغة قوانينها.
- **الإرث الإنساني**: ساهمت في ترسيخ مبدأ **المساواة النسبية أمام القانون**، رغم اختلاف العقوبات بين الطبقات.
- **التأثير غير المباشر**: ربما ألهمت الفكر القانوني في الشرق الأدنى القديم، الذي انتقل لاحقًا إلى الحضارات المتوسطية عبر التبادل الثقافي.
---
**5. مقارنة مع شريعة حمورابي:**
- **العقوبات**: شريعة أورنمو تعتمد على **الغرامات المالية**، بينما شريعة حمورابي اشتهرت بمبدأ **القصاص الجسدي**.
- **اللغة**: كُتبت أورنمو بالسومرية (لغة مقدسة)، بينما كُتبت حمورابي بالأكدية (لغة الحياة اليومية).
- **الهدف**: ركزت أورنمو على **تنظيم الدولة**، بينما حمورابي اهتمت **بإبراز عدالة الملك**.
---
**6. ملاحظات مهمة:**
- **ليست كاملة**: معظم ألواحها مفقودة، واكتُشف جزء صغير منها.
- **سبقتها قوانين أخرى**: يُعتقد أن **إصلاحات أوركاجينا** (2350 ق.م) في مدينة لجش كانت محاولة مبكرة لإقرار العدالة، لكنها لم تُدوَّن كمدونة مفصلة.
- **رمزية الحكم**: مثلت الشريعة أداة لتعزيز شرعية حكم أورنمو كـ"ملك العدالة".
---
**ختامًا:**
شريعة أورنمو تمثل **اللبنة الأولى** في تاريخ التشريع البشري، حيث حوَّلت الأعراف الشفهية إلى قوانين مكتوبة ومنظمة، مما مهَّد الطريق لتطور الأنظمة القانونية في الحضارات اللاحقة. رغم أن شهرتها أقل من شريعة حمورابي، إلا أنها تُظهِر تطورًا مبكرًا لفكرة "سيادة القانون" كأداة لضبط المجتمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق