شريعة حمورابي: تاريخها، محتواها، وتأثيرها على تاريخ القانون
.
.
1. التعريف والتاريخ:
شريعة حمورابي Hammurabi هي واحدة من أقدم المدونات القانونية المكتوبة في التاريخ، تعود إلى الحضارة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين (العراق حاليًا). صدرت في عهد الملك حمورابي (حكم من 1792 إلى 1750 ق.م تقريبًا)، ووُضعت حوالي عام 1755 ق.م. نُقشت على مسلة من حجر الديوريت الأسود، واكتُشفت في سوسة (إيران حاليًا) عام 1901، وهي معروضة الآن في متحف اللوفر بباريس.
2. محتوى الشريعة:
* تحتوي على 282 مادة قانونية تغطي مواضيع مثل:
- العدالة الجنائية (مبدأ "العين بالعين والسن بالسن" للجرائم بين الأفراد المتساوين في الطبقة).
- التجارة والزراعة (تنظيم الأسعار، وأجور العمال، ومسؤولية المقاولين).
- الأسرة والميراث (حقوق الزواج، الطلاق، وحماية النساء والأطفال).
- الطبقات الاجتماعية (تمييز في العقوبات بين النبلاء والعوام والعبيد).
* مثال شهير: المادة 229 تنص على أن من يبني منزلًا ينهار ويقتل صاحبه يُعدم، بينما إذا قتل ابن صاحب المنزل، يُعدم إبن الباني!
3. الخصائص البارزة:
- التدوين العلني: نُشرت القوانين على مسلة ليعرفها الجميع، مما قلل من تعسف الحكام.
- الربط بين الدين والقانون: قدم حمورابي نفسه كمختار من الآلهة (خاصة إله الشمس شمش) لتحقيق العدالة.
- العدالة النسبية: رغم قسوة بعض العقوبات، راعت الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
4. التأثير على تاريخ القانون العالمي:
- إرث بلاد ما بين النهرين: أثرت على الشرائع اللاحقة مثل القانون الآشوري والقانون العبري (خاصة في التوراة، كقانون "العين بالعين").
- فكرة التدوين: كانت خطوة رائدة في تحويل العرف الشفهي إلى قوانين مكتوبة، مما عزز الشفافية والاستقرار الاجتماعي.
- الإلهام للحضارات اللاحقة: رغم عدم اتصال مباشر مع القانون الروماني، إلا أن مبدأ "سيادة القانون" الذي تجسده الشريعة ترك أثرًا غير مباشر على تطور الفكر القانوني الغربي.
5. ملاحظات مهمة:
- شريعة حمورابي ليست الأولى تمامًا، إذ سبقتها مدونات مثل "شريعة أورنمو" (السومرية، 2100 ق.م) و"قوانين إشنونا" (1930 ق.م)، لكن شريعة حمورابي هي الأكثر اكتمالًا.
- رمزية أكثر من تطبيق عملي: يُعتقد أن بعض القوانين كانت تُستخدم لدعم شرعية الملك أكثر من كونها نصوصًا عملية.
ختامًا:
شريعة حمورابي تمثل نقطة تحول في تاريخ البشرية نحو تأسيس أنظمة قانونية منظمة، مما أرسى أسسًا لفكرة العدالة المدونة التي استمدت منها الحضارات اللاحقة مبادئها، مما يجعلها إرثًا إنسانيًا لا يُنسى.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق