🔴 غزّة: على نفسها وأهلها جنت براقش (مقال)

غزّة: على نفسها وأهلها جنت براقش
 17-08-2024



منطقيّا، حين تُقدم على فعل ما، يجب أن تكون قد فكّرت مسبقا في نتائجه وعواقبه على المدى القصير والمتوسط، مثلما فكرت في طريقة فعله والأدوات المستخدمة ووقت البداية، إلخ. بل يجب ان تكون قد وضعت في الحسبان تقييما للأرباح المراد تحقيقها وللخسائر المتوقّعة وهل كفّة الارباح هي الأثقل أم كفّة الخسائر.
.
يوم السابع من أكتوبر 2023، غمر الفرح أرجاء العالم العربي والإسلامي وخرج العرب والمسلمون مهلّلين فرحين مبتهجين بما فعلته حماس وشامتين في الإسرائيليين وفي كل اليهود. ذكّرني هذا بتهليل المسلمين وفرحهم حين تم ضرب برجي التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية وشماتتهم في من ماتوا وإبراز كمّ هائل من الكراهية تجاه أمريكا التي تعلّموا من خلال الدمغجة العربية والإسلامية أنها "الشيطان الأكبر". ماذا حدث بعد ذلك؟ تمّ نكاح الأفغان والعراقيين. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، وبما ان تاريخ العرب والمسلمين كرجل يقف مكانه منذ ألف واربعمائة عام، وكلّ يوم يعيد نفس الأخطاء التي إرتكبها بالأمس، دون أن يتعلّم من أخطائه أو حتّى يفكّر في تداعيات الفعل قبل أن يقوم به، بما أن الشيء بالشيء يذكر، كان رأيي أنّ المصائب التي ستصيب الفلسطينيين من جرّاء هذه المجزرة لن يستطيع أحد إيقافها وأنّها ستكون فاتحة لمجازر لن يسلم منها لا الاخضر ولا اليابس. وهذا بالضبط كان ردّي على أحد الزملاء المهللين لحماس والفرحين بهذا "الإنتصار" الوهمي. قلت له: "الايّام بيننا. وستبكون دمٔا".
.
وهذا ما حدث. مغامرة إرهابيّي حماس غير محسوبة العواقب أدّت إلى هلاك أكثر من أربعين ألف قتيل من بين الفلسطينيّين. والعدّاد سيواصل العمل وقد تصل الحصيلة في النّهاية إلى أرقام لا يستطيع أحد التّفكير فيها. لأن من قاموا بمجزرة السابع من أكتوبر ومن طبّلوا لهم كانوا بلهاء لدرجة انّهم لم يفكّروا حتّى في أنّ إسرائيل ستردّ الصّاع صاعين إنتقاما لشعبها وحماية له من الإرهاب الإسلامي. وهذا ما يحدث منطقيّا في كلّ مكان.
.
وحتّى في الدّول العربية والإسلامية التي تنهق شعوبها يوميا على فيسبوك وتويتر وفي الشوارع وتتباكى على غزة في ممارسة حمقاء لنوع جديد من الجهاد قد ينزل جبريل بسورة بخصوصه يوما ما: "الجهاد الإلكتروني" أو لنقل "نضال اللّايك والشّير" تماشيا ايضا مع المصطلحات اليسارية الفاشلة. القوات المصريّة قامت بفضّ إعتصام رابعة الإرهابي لأنه كان يمثّل تهديدا للدولة والشعب وكان هذا الشعب يدعمها في جهودها ومساندا لها. كما كان مساندا لها في جهودها لتنظيف سيناء من الإرهابيين. لكن، وياللعجب، نفس هذا الشعب المصري الذي إنحاز للدولة وجيشها في مواجهة الإرهاب، إنخرط في دعم إرهابيي حماس. والسبب وراء هذا الدعم المتارجح ليس كراهيته للإرهاب بصفة عامة (فالإرهاب أمر قرٱني)، بل كراهيته المتوارثة منذ اربعة عشر قرنا لليهود. وكما انّ حكم المسلم على الكوارث خاضع للنفاق الديني المزروع في لاوعيه منذ نعومة أظافره (فعلى سبيل المثال: الكارثة التي تصيب المسلم يسمونها "إبتلاء" والكارثة التي تصيب غير المسلم يسمونها "عقابا")، فمشاعره وأفكاره بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني محكوم بنفس النفاق الديني. في حين ان أبسط قواعد التفكير المنطقي لو طبّقها أغبى مواطن مصري لأدّت به إلى مساندة إسرائيل ضدّ الإرهاب الإسلامي. نفس الشيء حدث في الجزاىر وفي تونس وفي العراق وسوريا واغلب الدول المسماة عربية إسلامية. أناس يعانون من الإرهاب ويدعمونه في نفس الوقت.
.
خلاصة الحديث، لكي لا نطيل كثيرا، تتمثّل في فكرة الغباء أو لنقل اللاوعي العربي والإسلامي. كانّك تتعامل مع أناس تم نزع أدمغتهم. أناس تحكمهم عواطفهم ويفعلون اشياء لا يقدّرون حتى حجمها وحجم تبعاتها ونتائجها.
.
 وشخصيا، رغم معارضتي لأي عملية قت مهما كانت أسبابها ودوافعها ومهما كانت هوية الجاني وهوية المجني عليه، إلا أنّي لا اشعر بأي تعاطف مع الفلسطينيين بصفة عامة (وقد نتحدث في وقت لاحق عن تاريخ هذا الشعب الإرهابي بإمتياز) ولا مع أهل غزة بصفة خاصة. فهم من ربّوا بين أحضانهم حركة حماس الإرهابية وهم وحدهم المسؤولون عن كل ما يحدث لهم اليوم. وكما يقول المثل: على نفسها وأهلها جنت براقش. وبراقش هي المسؤولة عن إيجاد حلّ للمشكلة التي تسببت فيها، دون بكائيّات ودون إستنجاد ببقية شعوب العالم. ففي النهاية، لا أحد يهتم. وحتى قادة حركة حماس الإرهابية مشغولون بجمع الأموال من كلّ حدب وصوب وتكديس الثروات وبعث الإستثمارات لتأمين مستقبل أبنائهم خارج غزة ولا وقت لديهم للتفكير في مصير أهل غزة، فهم في النهاية وسيلة للضغط على العالم وإبتزازه عاطفيا لكي يُمطرهم بالأموال.
.
وللحديث بقية.
.

🟡 المحادثة مع المستقبل (قصة قصيرة)

.

 المحادثة مع المستقبل

.

كان خالد شابًا في منتصف العشرينيات يعيش حياة عادية في قرية صغيرة، محاطًا بالحكايات القديمة التي ترويها جدته عن المرآة العتيقة التي تتوسط غرفة المعيشة. كانت المرآة متوارثة منذ أجيال، محفورة بإطار خشبي مزخرف بنقوش غريبة تثير الفضول. قيل إن هذه المرآة تمتلك سرًا غامضًا، لكنها بالنسبة لخالد لم تكن سوى قطعة أثاث قديمة.

في إحدى الليالي الهادئة، بينما كان خالد يجلس وحده في المنزل، انقطع التيار الكهربائي. لم يكن أمامه سوى ضوء شمعة يتراقص في الظلام. قرر قضاء الوقت بالتجول في المنزل، فتوقف أمام المرآة وتأمل انعكاسه. كان الجو غريبًا، والهدوء يثير في نفسه شعورًا غير مريح.

لكنه فجأة لاحظ أمرًا مريبًا؛ لم يكن الانعكاس يتطابق تمامًا مع حركاته. ابتعد خطوة عن المرآة، لكنها أظهرت شخصًا لا يتحرك. وقف خالد مذهولًا عندما سمع صوتًا منخفضًا يخرج من داخل المرآة، صوتًا يشبه صوته ولكنه أعمق وأكثر نضجًا.

قال الصوت: "مرحبًا، خالد. لا تخف، أنا أنت... بعد عشرين عامًا."

تسمر خالد في مكانه، عاجزًا عن الرد. أخيرًا، تمكن من سؤال مرتجف: "كيف يكون هذا ممكنًا؟ هل أنا أحلم؟"

ابتسم الانعكاس، أو بالأحرى نسخته المستقبلية، وقال: "الأمر حقيقي. هذه المرآة ليست عادية. إنها بوابة تربط بين زمانين. يمكننا الحديث الآن، لكن الوقت محدود."

بدأ خالد يشعر بخليط من الفضول والخوف. "لماذا تحدثني؟ ما الذي تريدني أن أعرفه؟"

تنهد الرجل في المرآة وقال: "هناك الكثير لتعرفه، لكن لن أخبرك بكل شيء. أحيانًا يجب أن تسير الأمور كما هي. ومع ذلك، سأحذرك من شيء واحد. بعد عام من الآن، ستواجه قرارًا سيغير حياتك. كن حذرًا، وفكر مليًا قبل اتخاذه."

حاول خالد الاستفسار أكثر: "ما هو القرار؟ وماذا سيحدث إن اتخذت الخيار الخاطئ؟"

لكن انعكاسه في المرآة بدأ يتلاشى تدريجيًا. "تذكر، المرآة ليست مجرد نافذة على المستقبل. إنها انعكاس لما في داخلك. إن لم تفهم نفسك الآن، لن تتمكن من فهمي لاحقًا. سأعود عندما يحين الوقت."

اختفى الانعكاس، تاركًا خالد وحده أمام المرآة. لم يستطع النوم تلك الليلة، وأخذ يفكر في الكلمات التي سمعها. ماذا يقصد بالقرار؟ وكيف يمكن للمرآة أن تكون انعكاسًا لما في داخله؟

على مدار الأشهر التالية، أصبحت المرآة جزءًا من يوميات خالد. كان يجلس أمامها كل ليلة، يحاول التحدث إلى انعكاسه المستقبلي، لكنه لم يظهر مرة أخرى. بدأ خالد يدرك شيئًا مهمًا: لكي يكون مستعدًا للمستقبل، عليه أن يفهم نفسه بشكل أفضل الآن.

---

مر عام على تلك الليلة الغامضة، ووجد خالد نفسه أمام مفترق طرق. عُرضت عليه فرصة مغادرة قريته الصغيرة للعمل في مدينة كبيرة، لكنه كان ممزقًا بين ترك عائلته وحياته المألوفة وبين اغتنام هذه الفرصة. في تلك اللحظة، تذكر كلمات انعكاسه في المرآة.

جلس أمام المرآة مرة أخرى، متأملًا انعكاسه. لم يظهر صوت المستقبل هذه المرة، لكن خالد لم يكن بحاجة إليه. لقد أصبح أكثر حكمة، وأكثر فهمًا لذاته. اتخذ قراره، ليس بناءً على الخوف من الخطأ، بل على ثقة بأنه يستطيع مواجهة أي شيء ينتظره.

وما إن وقف ليغادر، حتى لمح انعكاسًا خفيفًا في المرآة، وابتسامة من المستقبل، وكأنها تقول له: "أحسنت."

.

🟡 المدينة المغمورة (قصة قصيرة)

.

المدينة المغمورة

.

كان البحر هادئًا بشكل غريب ذلك الصباح، وأشعة الشمس تتراقص على سطح الماء. في عرض المحيط الأطلسي، كانت سفينة الأبحاث "نبتون" تبحر فوق منطقة يعرفها البحارة بقاعها العميق والمجهول. قاد البعثة عالم المحيطات الدكتور "ليام كارتر"، رجل ذو شغف لا يلين لاكتشاف الأسرار المخبأة في أعماق المحيط.

معه على متن السفينة كانت "إيلا"، عالمة آثار بحرية حادة الذكاء، و"ماكس"، مهندس غواصات شاب ذو خبرة في التعامل مع المعدات الحديثة. كانوا قد تلقوا إشارات غريبة من تحت الماء، إشارات بدت وكأنها نوع من الذبذبات المنتظمة، لم تكن طبيعية بأي حال.

"هذه ليست أصوات كائنات بحرية، وليست إشارات من السفن الغارقة. هناك شيء آخر هناك،" قال ليام بحماس وهو يراقب شاشة الرادار.

بعد يومين من التحضيرات، قرروا الغوص باستخدام الغواصة الصغيرة "أطلس". مع بداية النزول، شعر الفريق بشيء غريب، فالمياه أصبحت أكثر دفئًا، وكأنهم يقتربون من مصدر طاقة خفي. وبعد ساعات من الغوص، ظهرت أمامهم مشاهد لم يتوقعوها أبدًا.

مدينة كاملة، مغمورة تحت الماء، بنيت من هياكل حجرية عملاقة مغطاة بطبقات من الطحالب والشعاب المرجانية. كانت المباني ذات طراز معماري لا يشبه أي حضارة معروفة: أعمدة مزخرفة برموز غريبة، تماثيل لأشكال بشرية بعيون كبيرة، وقباب ضخمة تلمع بألوان قوس قزح بسبب انعكاس الضوء تحت الماء.

"هذا مستحيل..." تمتمت إيلا بدهشة وهي تضغط وجهها على زجاج الغواصة. "لقد قرأنا عن مدن غارقة كأطلانتس، لكن لم نجد شيئًا كهذا من قبل."

اقتربوا من الساحة المركزية للمدينة، حيث وقف تمثال ضخم على شكل كائن نصفه إنسان ونصفه سمكة. عند قاعدته كان هناك شيء أشبه بمذبح حجري عليه نقوش متوهجة بلون أزرق.

"النقوش هذه تشبه لغة رمزية قديمة... لكنها مختلفة تمامًا عما رأيناه من قبل،" قالت إيلا وهي تلتقط صورًا عبر كاميرات الغواصة.

ما أثار دهشتهم أكثر هو أن النقوش بدأت تتوهج بشكل أقوى عندما اقتربت الغواصة، وكأن المدينة "تستجيب" لوجودهم. فجأة، انفتح باب ضخم في أحد الأبنية الرئيسية، وخرج منه تيار ضوئي قوي جذب الغواصة نحوه.

حاول ماكس السيطرة على المركبة، لكنه لم يستطع. وجدوا أنفسهم يُسحبون داخل ممر مضاء بمصابيح طبيعية متوهجة كالكريستالات. عند نهايته، توقفوا في قاعة ضخمة تبدو كأنها مركز قيادة. على الجدران، شاشات حجرية تعرض صورًا ثلاثية الأبعاد لكوكب الأرض، ولكن ليس كما هو الآن، بل كما كان قبل آلاف السنين.

"هذه خريطة للأرض القديمة..." قال ليام وهو يشير إلى القارات التي تظهر على الشاشة، بعضها غير موجود في يومنا هذا.

وسط القاعة، كان هناك جهاز يشبه كرة زجاجية ضخمة تطفو في الهواء، ينبعث منها ضوء ناعم. اقتربت إيلا بحذر، وعندما لمست السطح الزجاجي، شعرت بدفق من الصور والأصوات يغمر عقلها. رأت مدنًا متطورة، مركبات تطير في السماء، وكائنات شبيهة بالبشر تتحدث لغة غريبة. ثم، رأت الطوفان العظيم الذي أغرق المدينة وجعلها تختفي عن وجه الأرض.

"هذه ليست مجرد مدينة غارقة... إنها حضارة متقدمة سبق أن سكنت الأرض!" صرخت إيلا عندما عادت إلى وعيها.

لكن الجهاز بدأ في إصدار صوت منخفض متزايد، وكأن شيئًا ما يُنشط داخله. فجأة، بدأ تيار من الطاقة يخرج منه، يملأ القاعة بضوء قوي.

"علينا المغادرة الآن!" صاح ماكس وهو يحاول إعادة تشغيل الغواصة.

لكن قبل أن يتمكنوا من الهروب، انفتح السقف فجأة، وقذفتهم قوة غامضة إلى سطح الماء. عندما استعادوا وعيهم على متن السفينة، لم يجدوا أي أثر للمدينة. كانت قد اختفت كما ظهرت.

"هل كنا نحلم؟" سأل ماكس بتردد.

لكن ليام، الذي أمسك بيده قرصًا صغيرًا كان قد التقطه من المذبح، نظر إليه وقال: "لا، لم يكن حلمًا. لدينا الدليل، وسنكتشف سرهم. لكن السؤال هو... هل نحن مستعدون لتحمل ما قد نكتشفه؟"

نظر الجميع إلى الأفق، حيث غابت الشمس وراء الأمواج، تاركة وراءها وعودًا غامضة وأسرارًا لم تُكشف بعد.

.

🟡 الأمنية الأخيرة (قصة قصيرة)

.
الأمنية الأخيرة
.
في قرية نائية، على أطراف غابة كثيفة، عاش العجوز "سالم" في كوخ خشبي متواضع. بلغ سالم من العمر تسعين عامًا، وكان يدرك أن أيامه معدودة. عاش وحيدًا بعد أن غادره الأحباب، وحمل معه ذكريات حياة طويلة مليئة بالإنجازات والأخطاء، الأفراح والأحزان.
في صباح يوم شتوي، بينما كان سالم يجلس على كرسيه الهزاز قرب المدفأة، سمع طرقًا خفيفًا على بابه. فتح الباب بحذر ليجد امرأة غريبة تقف هناك، كانت جميلة المظهر، بعيون تتلألأ كما لو أنها تحمل أسرار العالم. قالت له بصوت هادئ: "يا سالم، قضيت حياتك بعزلة وصمت، لكنك تستحق فرصة أخيرة لتختار شيئًا يغيّر حياتك. لدي هدية لك: أمنية واحدة تتحقق فورًا. لكن حذار، فكل اختيار له ثمن."
صُدم سالم وأحس أن هذه المرأة ليست عادية. فكر مليًا، وأدرك أنه إذا كان هناك شيء يندم عليه في حياته، فهو أنه لم يستطع تصحيح خطأ ارتكبه قبل خمسين عامًا. كان ذلك عندما اختلف مع أخيه الأصغر "جابر" بسبب قطعة أرض صغيرة، فتشاجر معه ولم يتحدث إليه منذ ذلك الحين.
رفع سالم رأسه ونظر إلى المرأة، قائلاً: "أريد أن أعود خمسين عامًا إلى الوراء، لأصلح علاقتي مع جابر."
ابتسمت المرأة وهزت رأسها: "كما تريد." ثم صفقت بيديها، وشعر سالم بدوار غريب. أغمض عينيه للحظة، وعندما فتحهما، وجد نفسه شابًا في الثلاثين من عمره، واقفًا في وسط الحقل الذي تسبب في الخلاف.
كان جابر هناك، بنفس الوجه الشاب الذي يتذكره، غارقًا في العمل. شعر سالم بسعادة ودهشة غامرة. أسرع نحو أخيه واحتضنه بقوة، مما أربك جابر. بدأ سالم يعتذر بشدة، يشرح له أنه أخطأ، وأنه لا يريد شيئًا سوى أن يكونا كما كانا من قبل.
في البداية، بدا جابر متحيرًا، لكنه بمرور الوقت بدأ يلين، وابتسم أخيرًا. عادت الأمور بينهما كما كانت، واستمر سالم في عيش حياته مع أخيه بروح جديدة، مليئة بالمحبة.
لكن الغريب في الأمر، هو أن سالم لاحظ شيئًا غريبًا: كلما مرت الأيام، بدأت ذكرياته تتلاشى ببطء. بدأ ينسى أنه طلب الأمنية، ثم نسي حياته السابقة بأكملها.
بعد خمسين عامًا، وفي نفس صباح الشتاء، كان سالم جالسًا في كوخه، لكن هذه المرة لم يكن عجوزًا وحيدًا. كان يعيش مع أسرته الكبيرة، محاطًا بأحفاده الذين أحبوه بشدة.
لم يتذكر سالم أبدًا الأمنية أو الخطأ الذي ارتكبه في حياته السابقة. لكن تلك المرأة الغامضة وقفت في ظل الكوخ، تراقبه من بعيد. همست لنفسها: "الأمنية تحققت، والثمن كان النسيان. لكن يبدو أن السعادة، في بعض الأحيان، تستحق كل شيء."
.

🔴 العلاقة بين احترام الحريات الشخصية وتطور المجتمع وإزدهاره (مقال)

.
العلاقة بين احترام الحريات الشخصية وتطور المجتمع وإزدهاره



العلاقة بين احترام الحريات الشخصية وتطور المجتمع وإزدهاره علاقة متجذرة ووثيقة، حيث أثبتت التجارب التاريخية والواقعية أن المجتمعات التي تقدر حرية الأفراد تحقق معدلات أعلى من التطور والابتكار.
فاحترام الحريات الشخصية يفتح المجال أمام العقول للتفكير الحر والتعبير عن أفكارها دون خوف من القمع. على سبيل المثال، شهد عصر النهضة في أوروبا طفرة في الفن والعلوم بعد تراجع السلطة الدينية القمعية وإفساح المجال للحريات الفكرية. ليوناردو دافنشي وغاليليو غاليلي هما مثالان بارزان استفادا من أجواء الحرية النسبية آنذاك لإنتاج إبداعات غيّرت مسار التاريخ.
ثم أن المجتمعات التي تحترم الحريات الشخصية توفر بيئة مشجعة للبحث العلمي والابتكار. في القرن العشرين، مثّلت الولايات المتحدة مثالاً عمليًا، حيث أدى احتضان العلماء اللاجئين من أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية إلى تحقيق قفزات علمية هائلة، منها تطوير الحواسيب وأبحاث الفضاء. في المقابل، فإن الأنظمة التي قمعت الحريات، كالاتحاد السوفياتي، عانت من تراجع في الابتكار رغم بعض النجاحات المؤقتة. ولا مجال للحديث هنا عن العالم "العربي الإسلامي" الذي لم نر له أي مساهمة في تطوير أي شيء منذ قرون بسبب عقلية كراهية الٱخر والتحريم والتهديد المسلط على كل من يخرج عن القطيع (سواء كان ذلك سياسيا أو دينيا أو حتى فكريا).
علاوة على ذلك، احترام الحريات الشخصية يجعل الأفراد أكثر اندماجًا في قضايا مجتمعاتهم. وتجربة حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة في الستينيات تثبت أن تعزيز حرية التعبير والمشاركة السياسية يساهم في تحسين العدالة الاجتماعية والتطور المجتمعي. بفضل هذه الحركة، أُزيلت قوانين الفصل العنصري، مما ساعد في بناء مجتمع أكثر تماسكًا.
من ناحية أخرى، من الملاحظ أن المجتمعات التي تحترم التنوع الفكري والثقافي تحقق مستويات أعلى من التماسك والتنمية. مثال على ذلك تجربة دولة جنوب إفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، حيث اعتمدت البلاد على مبادئ المساواة واحترام الحريات لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
فالاستقرار الناتج عن احترام الحريات هو أساس التطور الاقتصادي والعلمي. في القرن الحادي والعشرين، أصبحت دول مثل فنلندا والسويد نموذجًا عالميًا، حيث تجمع بين حرية التعبير والبحث العلمي المتقدم لتحقيق رفاهية مجتمعية عالية.

من خلال التاريخ والواقع، يتضح أن احترام الحريات الشخصية هو المحرك الأساسي لتطور المجتمعات وازدهارها علميًا وثقافيًا. فالمجتمعات التي تمنح الحرية لعقول أفرادها تحصد ثمار الإبداع والابتكار، بينما تلك التي تقمع الحريات تبقى عالقة في دوائر الركود والتراجع.

🟡 الهروب من الزمن (قصة قصيرة)

.

الهروب من الزمن

.

في صباح يوم مشمس، استيقظ يوسف على صوت المنبّه. كان كل شيء يبدو مألوفًا بشكل غريب: شروق الشمس الذي يتسلل من الستائر، رائحة القهوة التي أعدتها جارتُه العجوز، وصوت سيارة الأجرة التي توقفت أمام المبنى. جلس على السرير متثاقلاً، ثم مد يده إلى هاتفه ليجد التاريخ واضحًا: 15 يناير.

تجاهل الشعور الغريب الذي راوده، نهض وبدأ يومه كالمعتاد. ذهب إلى عمله، تحدث مع زملائه، وعاد إلى منزله متعبًا، لا يدري أن يومه هذا سيعيد نفسه.

---

استيقظ يوسف في اليوم التالي على صوت المنبّه ذاته. لكنه عندما نظر إلى هاتفه، انقبض قلبه: 15 يناير، مرة أخرى. شعر بالارتباك، لكنه أقنع نفسه بأنها ربما مشكلة في هاتفه. أكمل يومه بنفس التفاصيل الدقيقة. وعندما استلقى للنوم تلك الليلة، تعهد أن يراجع طبيبًا إذا استمر الأمر.

---

لكن 15 يناير تكرر للمرة الثالثة. الآن لم يعد هناك مجال للإنكار. يوسف يعيش اليوم نفسه مرارًا وتكرارًا. جرب كل شيء لتغيير مجرى الأحداث: سلك طرقًا جديدة، تجاهل الذهاب للعمل، وحتى أمضى يومًا كاملًا في القراءة، لكن النتيجة واحدة: يعود للاستيقاظ في السرير ذاته على صوت المنبّه، ليواجه اليوم ذاته.

بعد أيام من اليأس، قرر يوسف أن يراقب ما يحدث حوله بتمعن. كان في المقهى حين لاحظ فتاة شابة تُدعى سارة تجلس وحدها على الطاولة المقابلة. في كل يوم متكرر، كانت تأتي في نفس الوقت وتترك حقيبتها مفتوحة قليلًا. لم يكن قد أولى الأمر أهمية في البداية، لكنه لاحظ لاحقًا أن رجلًا مجهولًا كان يقترب منها دائمًا ويختفي بسرعة.

---

في يومه المتكرر التالي، قرر أن يراقب عن كثب. وجد أن الرجل المجهول يستغل غفلة سارة ليسرق محفظتها. شعر بشيء داخله يتحرك، شعور بأن إنقاذها قد يكون المفتاح لكسر هذه الحلقة الزمنية.

---

في صباح اليوم التالي، قرر التدخل. ذهب إلى المقهى في نفس الوقت، وجلس على مقربة منها. عندما اقترب الرجل لسرقتها، أمسك يوسف بيده بقوة وأوقفه. اندهشت سارة، وشكرته بحرارة، بينما فر الرجل المجهول.

---

لكن الزمن لم يتغير. استيقظ يوسف في اليوم ذاته من جديد. أصابه الإحباط، لكنه قرر أن يسألها عن حياتها. في الأيام التالية، تقرب منها تدريجيًا، وتعرف على قصتها. كانت تعيش في عزلة بسبب حادث مأساوي فقدت فيه أحد أفراد أسرتها.

---

بالتدريج، أدرك يوسف أن إنقاذ سارة لا يقتصر على محفظتها، بل على حياتها بأكملها. قرر مساعدتها على الخروج من عزلتها، فشجعها على استعادة شغفها بالرسم، ودعمها في إقامة معرض فني. استغرق الأمر عشرات الأيام المتكررة، لكنه أخيرًا شعر بالرضا عندما رأى الابتسامة تعود إلى وجهها.

---

وفي يوم جديد، استيقظ يوسف على صوت المنبّه. لكنه عندما نظر إلى هاتفه، وجد التاريخ قد تغير: 16 يناير. تنهّد بارتياح، وأدرك أن كسر حلقة الزمن لم يكن يتعلق بهروب شخصي، بل بمنح الأمل لشخص آخر.

.

🟡 النافذة الغامضة (قصة قصيرة)

.

النافذة الغامضة

.

في حيّ هادئ على أطراف المدينة، كانت المنازل تتراص بجانب بعضها البعض مثل أحجار دومينو متشابهة، إلا منزلًا واحدًا كان مختلفًا. كان منزلاً كبيرًا قديمًا ذا نوافذ عتيقة تغطيها ستائر ثقيلة، وكأن صاحبته تخشى من أن يعرف العالم أسرار الداخل. كانت تسكنه امرأة عجوز تُدعى "جورجيت"، لا يراها الجيران إلا نادرًا، وتحيط بها قصص غامضة يرويها سكان الحي.
"كريم"، صبي في الثانية عشرة من عمره، كان شغوفًا بالاستكشاف وحب المغامرة. في إحدى الليالي، بينما كان يطل من نافذة غرفته المطلة على منزل "جورجيت"، لاحظ أضواء غريبة تومض من نافذتها العلوية. كانت الأضواء زرقاء وخضراء، تتراقص وكأنها تنتمي لعالم آخر.
تملكه الفضول وقرر أن يراقبها كل ليلة. كانت الأضواء تظهر في نفس التوقيت، بعد منتصف الليل بدقائق قليلة، ثم تختفي فجأة. حاول أن يخبر والديه بما رآه، لكنهما لم يعيرا الأمر اهتمامًا، معتقدين أن خياله الطفولي هو ما يصنع تلك القصة.
لم يستطع كريم تجاهل الأمر، فقرر أن يتحقق بنفسه. في مساء الجمعة، عندما خيّم الهدوء على الحي، تسلل كريم من غرفته عبر نافذة صغيرة تطل على الحديقة، حاملاً معه مصباحًا صغيرًا ودفتر ملاحظات. كان الهواء باردًا، والشارع مهجورًا، وكأن المدينة بأكملها تغط في سبات عميق.
وقف كريم تحت نافذة جورجيت ونظر للأعلى. كانت الأضواء تظهر بوضوح، لكنها بدت وكأنها تتحرك داخل الغرفة، كما لو كانت تعبر عن شيء حيّ.
في تلك اللحظة، انفتح باب المنزل ببطء، لتظهر "جورجيت" واقفة على العتبة. كانت تحمل فانوسًا قديمًا، وبدت أطول مما توقع، بوجهها الذي تكسوه التجاعيد ونظرتها الثاقبة. قالت بصوت منخفض لكنه حازم:
"أعلم أنك هنا، كريم. تعال، لا داعي للاختباء."
ارتجف كريم، لكنه استجمع شجاعته وتقدم نحوها ببطء. سألها بصوت متردد: "ما هذه الأضواء التي أراها كل ليلة؟ هل تخبئين شيئًا هناك؟"
ابتسمت جورجيت ابتسامة غامضة وأجابته: "إذا كنت تريد أن تعرف الحقيقة، عليك أن تراها بنفسك. لكن عليك أن تعدني بأن ما ستراه سيبقى سرًا بيننا."
أومأ كريم برأسه، وسمحت له بالدخول. كان المنزل مليئًا بالكتب القديمة والتحف الغريبة، ورائحة عتيقة تعبق في الهواء.
قادته جورجيت إلى الطابق العلوي، إلى الغرفة التي كانت تصدر منها الأضواء. فتحت الباب ببطء، فظهرت غرفة مليئة بالأدوات الغريبة؛ مرايا متكسرة، كرات بلورية، ومخطوطات قديمة مكتوبة بلغات غير مفهومة. في منتصف الغرفة، كان هناك جهاز غريب يشبه الكرة الزجاجية الكبيرة التي ينبعث منها الضوء الملون.
قالت جورجيت بصوت هادئ: "هذه ليست مجرد أضواء، كريم. هذا جهاز قديم يساعدني على التواصل مع الماضي. هناك أشياء في حياتي تحتاج إلى إصلاح."
حدق كريم في الجهاز بدهشة وسألها: "لماذا تريدين التواصل مع الماضي؟ ماذا تحاولين تغييره؟"
تنهدت جورجيت وجلست على كرسي قريب: "قبل سنوات طويلة، ارتكبت خطأً كبيرًا، وخسرت عائلتي بسبب ذلك. أنا أحاول تصحيح ذلك الخطأ، لكن الوقت لا يسير كما نتمنى. أحيانًا، أرى ماضيَّ يتراقص أمامي في هذه الأضواء، لكنه يهرب مني دائمًا."
طلبت جورجيت من كريم أن يقترب من الجهاز، وعندما لمس سطحه الزجاجي، شعر بتيار كهربائي خفيف يجتاح جسده. فجأة، تغير المشهد أمام عينيه؛ وجد نفسه في مكان مختلف تمامًا. كان يقف في حديقة مليئة بالأشجار القديمة، ورأى امرأة شابة تشبه جورجيت كثيرًا تلعب مع طفلة صغيرة.
فهم كريم أنه يرى الماضي الذي تحدثت عنه جورجيت. حاول أن يقترب منهما، لكنه شعر بشيء يسحبه بعيدًا. استيقظ ليجد نفسه مجددًا في الغرفة، وقد أغمضت جورجيت عينيها وكأنها كانت تعيش اللحظة معه.
شكرته جورجيت على شجاعته وقالت: "قد لا أستطيع إصلاح الماضي، لكن معرفتي أنه ما زال هناك، ولو في ذكرياتي، تجعلني أتمسك بالحياة أكثر."
غادر كريم المنزل تلك الليلة، لكنه لم ينس ما رآه أبدًا. توقفت الأضواء عن الظهور بعد تلك الليلة، وكأن جورجيت أغلقت فصلًا من حياتها.
مرت الأيام، وفي أحد الأيام لاحظ كريم أن المنزل قد أصبح مهجورًا. لم يعرف أحد أين ذهبت جورجيت، لكنها تركت أثرًا في ذاكرته، وأدرك أن الماضي قد يكون مليئًا بالأسرار، لكنه جزء لا يتجزأ من الحاضر والمستقبل.

🟡 الكتاب الغامض (قصة قصيرة)

.

الكتاب الغامض

.

في مساءٍ بارد من ليالي الخريف، كان "مروان" يسير متثاقلاً في أزقة البلدة القديمة، يحاول الهروب من روتينه القاتل. كانت رائحة الكتب القديمة تنبعث من متجر صغير في نهاية الزقاق، فأثارت فضوله ودفعته للدخول. بدا المتجر كأنه مكان عتيق سقط من زمن آخر، مليء بالكتب المكدسة على الرفوف والطاولات.
اقترب مروان من رف خشبي مهترئ وبدأ يتفحص الكتب بعناية. فجأة، لفت نظره كتاب غريب؛ كان حجمه كبيرًا، وغلافه مصنوعًا من جلدٍ داكن منقوش عليه رموز غير مفهومة. لم يكن للكتاب عنوان ولا اسم مؤلف، ولكن شيئًا ما في مظهره شدّه بقوة لا يستطيع تفسيرها.
حمل الكتاب بحذر إلى صاحب المتجر، رجل مسنّ يرتدي نظارات مستديرة ويجلس خلف طاولة مليئة بالورق والحبر. سأل مروان بحذر:
"كم ثمن هذا الكتاب؟"
رفع الرجل رأسه ونظر إلى الكتاب بقلق قبل أن يقول:
"هذا الكتاب ليس للبيع، لكنه اختارك. إذا كنت تريده، فخذه بلا مقابل، لكن كن حذرًا... ليس كل ما فيه مناسبًا للقراءة."
تعجب مروان من الإجابة، لكنه قبل العرض وأخذ الكتاب معه.
عندما عاد إلى منزله، وضع الكتاب على الطاولة وبدأ يتأمله. كان غلافه دافئًا بشكل غريب، وكأن له نبضًا خاصًا. فتح الكتاب ليجد صفحاته مكتوبة بلغة لم يرها من قبل، لكنها بدت مألوفة. وبينما كان يتفحص الصفحات، ظهرت له فجأة جملة مكتوبة بلغة واضحة:
"هل أنت مستعد لاكتشاف الحقيقة؟"
شعر مروان بوخزة خوف، لكنه تجاهلها وواصل القراءة. فجأة، تحركت الجملة وكأنها تعيد تشكيل نفسها، لتظهر خريطة قديمة تشير إلى مكان بعيد خارج البلدة.
في اليوم التالي، حمل مروان الكتاب معه وذهب إلى ذلك الموقع المحدد على الخريطة. كان المكان مهجورًا، عبارة عن أطلال قديمة مغطاة بالطحالب والأشجار المتشابكة. شعر بشيء غريب يسيطر على الأجواء، لكنه استمر في البحث.
في وسط الأطلال، وجد مروان بوابة حجرية صغيرة منحوتة برموز مشابهة لتلك الموجودة على غلاف الكتاب. وضع يده على البوابة، فبدأت تهتز بلطف، وانفتح ممر مظلم يؤدي إلى نفق طويل.
دخل مروان النفق بحذر، وأضاء مصباحه اليدوي. كانت الجدران مغطاة بنقوش غريبة، بدا بعضها مألوفًا وكأنها جزء من قصص سمعها في طفولته. فجأة، وصل إلى قاعة واسعة تحتوي على منصة حجرية في المنتصف.
وُضع على المنصة الكتاب نفسه، لكنه بدا أكبر وأكثر قدمًا. تقدم مروان بحذر وفتح الكتاب ليجد أن صفحاته تعكس ذكرياته؛ طفولته، لحظاته السعيدة، وحتى أحلامه التي لم تتحقق.
لكن الأمور أخذت منعطفًا مرعبًا. بدأ الكتاب يعرض له أحداثًا مستقبلية، بعضها سعيد، وبعضها كابوسي. في صفحة معينة، قرأ عن حادث سير سيودي بحياته خلال أسبوع. حاول إغلاق الكتاب، لكنه لم يستطع.
عاد مروان إلى المنزل مضطربًا. هل يمكن أن يغيّر ما رآه في الكتاب؟ قرر مواجهة الأمر وبدأ يحذر من الاقتراب من أي مكان يمكن أن يتعرض فيه لحادث. لكنه لاحظ أن كل محاولاته لتجنب القدر تقوده إلى مواقف أكثر خطورة، وكأن الأمور كلها تتآمر عليه لإعادته إلى المسار المكتوب.
في أحد الأيام، أدرك مروان أن الكتاب لم يكن مجرد وسيلة لرؤية المستقبل، بل كان يختبر إرادته. قرر أخيرًا مواجهة مخاوفه والعودة إلى الأطلال لمعرفة الحقيقة.
عندما وصل إلى الأطلال مجددًا، وجد البوابة مفتوحة بانتظاره. دخل النفق ووصل إلى القاعة الحجرية، حيث رأى نفسه واقفًا أمامه، نسخة منه تحمل نفس الكتاب. نظرت النسخة إليه وقالت بصوت عميق:
"لقد فهمت الآن. الكتاب لا يكتب قدرك، بل يعكس قوتك على تغييره. المستقبل ملك لمن يجرؤ على مواجهته."
في تلك اللحظة، اختفى الكتاب مع النسخة الأخرى من مروان، ووجد نفسه في الخارج، عند أطلال كانت تبدو أقل غموضًا. عاد إلى حياته، لكنه أدرك أن الخوف من المستقبل هو الذي كان يقيده، وأنه قادر على تشكيل حياته كما يريد.
ومنذ ذلك اليوم، لم يعد يرى الكتاب مرة أخرى، لكنه احتفظ بالدروس التي تعلمها منه إلى الأبد.

🟡 حب في المكتبة (قصة قصيرة)

.

حب في المكتبة


لم تكن "سارة" تتخيل أبدًا أن قلبها سيتسارع في مكان هادئ كهذا. كانت تعشق المكتبات منذ طفولتها، حيث تجد في رفوفها المليئة بالكتب عالمًا آخر يفتح لها أبواب الخيال. تلك المكتبة الصغيرة التي كانت تزورها كل أسبوع أصبحت جزءًا من طقوسها، مكانًا تجد فيه الهدوء والراحة بعيدًا عن صخب الحياة اليومية.

في أحد الأيام الممطرة، كانت سارة تقلب صفحات كتاب لم تنتهِ من قراءته في المرة السابقة. شعرت بحركة خلفها، فالتفتت لتجد شابًا طويل القامة، بشعر بني غير مرتب ونظارات تنزلق قليلاً عن أنفه، يحمل في يده كتابًا بعنوان "الفلسفة والبحث عن السعادة". عندما همّت بالتحرك، اصطدمت به دون قصد. ارتبكت قليلاً وقالت مبتسمة:

"آسفة، لم أنتبه."

رد الشاب بابتسامة هادئة: "لا بأس، ربما أنا من كنت مشتتًا."

كانت هذه الجملة بداية حوار بسيط تحول تدريجيًا إلى نقاش عميق. عرّف نفسه قائلًا: "أنا علي، أزور المكتبة كلما احتجت إلى الهروب من الواقع." شعرت سارة بأنها وجدت شخصًا يفهم حبها لهذا المكان. تبادلا الحديث عن الكتب التي يفضلانها، وعندما اكتشفا أن كلاهما يعشق الموسيقى الكلاسيكية، شعر كلاهما بأن القدر جمعهما.

تكررت لقاءاتهما في المكتبة، وكل مرة كانت تكشف عن جانب جديد من شخصيتيهما. أحب علي حس الدعابة الذكي لسارة، بينما أعجبت هي بعمق تفكيره ونظرته الفلسفية للحياة. كان كل لقاء بينهما كأنه صفحة جديدة من كتاب شيّق.

ذات يوم، بينما كانا يجلسان في زاوية المكتبة يتحدثان عن أحد الكتب، قال علي بنبرة جادة: "سارة، هل تؤمنين أن الأشخاص يمكن أن يلتقوا بصدفة تبدو بسيطة لكنها تحمل معنى كبيرًا؟"

ابتسمت سارة وأجابت: "ربما... مثل لقاءنا هذا."

ابتسم علي بامتنان وتابع: "أشعر بأنك شخص مميز جدًا، وأتمنى أن نتمكن من استكشاف الحياة خارج هذه المكتبة. هل تقبلين الخروج معي؟"

شعرت سارة بدفء مفاجئ في قلبها. كانت مترددة للحظة، ليس لأنها لا تريده، بل لأنها لم تكن تتوقع أن تتحول صداقتهما إلى شيء أعمق. لكن نظراته الصادقة شجعتها، فقالت وهي تبتسم: "أعتقد أنني لا أمانع."

منذ ذلك اليوم، بدأت رحلة جديدة لسارة وعلي. تحولت المكتبة إلى مكان يحمل ذكريات جميلة ومميزة لهما. كانا يقضيان ساعات طويلة يقرآن الكتب معًا، يتشاركان فنجانًا من القهوة ويتحدثان عن أحلامهما المستقبلية.

بعد عدة أشهر، قرر علي أن يفاجئ سارة. عندما دخلت المكتبة في يومها المعتاد، وجدت على طاولتها كتابًا صغيرًا مغلفًا بعناية. فتحت الكتاب لتجد صفحة مكتوبًا عليها بخط يد علي:

"الحب مثل كتاب جيد، كلما قرأناه أكثر، زاد جماله. هل تقبلين أن تكوني قصتي التي أكتبها إلى الأبد؟"

نظرت سارة إلى علي الذي كان يقف على بُعد خطوات منها، مبتسمًا وفي يده وردة. لم تستطع أن تتمالك دموعها، وأجابت بحماس: "نعم، وسأكون أسعد أن أشاركك كتابة هذه القصة."

وهكذا، تحولت صدفة بسيطة في المكتبة إلى حكاية حب كتبها القدر بعناية، لتكون شاهدًا على أن أجمل القصص قد تبدأ في أكثر الأماكن هدوءًا.

.

🔴 Bacha Bazi: Le phénomène, ses racines et les solutions possibles

Bacha Bazi: Le phénomène, ses racines et les solutions possibles . . Qu’est-ce que le Bacha Bazi ?   Le Bacha Bazi, qui signifie en persan «...