🔴 البليستيّون، شعوب البحر، وأصولهم الأوروبيّة

البليستيّون، شعوب البحر، وأصولهم الأوروبيّة




 تشير الدراسات العلمية الحديثة، خاصة في مجال علم الوراثة الأثري، إلى أن البليستيين قدموا من جنوب أوروبا، وبالتحديد من منطقة بحر إيجة. إليك أهم المراجع والدراسات التي تدعم هذا الرأي:

 * دراسة علمية منشورة في مجلة "ساينس أدفانسز" (Science Advances) عام 2019:

   * هذه الدراسة قدمت تحليلاً للحمض النووي المستخرج من بقايا بشرية تم العثور عليها في موقع أثري بليستي في عسقلان.

   * أظهرت النتائج أن البليستيين وصلوا إلى عسقلان خلال أوائل العصر الحديدي، وأن لديهم سلالة جينية تعود إلى جنوب أوروبا.

   * أكدت الدراسة أن البليستيين كانوا مجموعة متميزة عن السكان المحليين في ذلك الوقت، وأنهم جلبوا معهم سمات وراثية من أصولهم الأوروبية.

   * أهمية الدراسة:

     * تعتبر هذه الدراسة من أهم الدراسات التي قدمت أدلة جينية قوية على أصل البليستيين.

     * تؤكد الدراسة على أن البليستيين كانوا جزءًا من حركة شعوب البحر التي حدثت في أواخر العصر البرونزي.

   * مراجع اضافية:

     * توجد العديد من الدراسات الأثرية التي تدعم فكرة أن البليستيين كانوا جزءًا من شعوب البحر، وأنهم قدموا من منطقة بحر إيجة.

     * يمكن الاطلاع على هذه الدراسات في المجلات العلمية المتخصصة في علم الآثار وتاريخ الشرق الأدنى القديم.

     * بإمكانك البحث في المواقع العلمية مثل "جوجل سكولار" (Google Scholar) باستخدام مصطلحات بحث مثل "Philistines genetic origins" أو "Sea Peoples DNA".

بشكل عام، فإن الدراسات الجينية الحديثة تقدم أدلة قوية على أن البليستيين قدموا من جنوب أوروبا، وأنهم لعبوا دورًا مهمًا في تاريخ منطقة فلسطين القديمة.


🔴 تحليل مسألة بيع الأراضي الفلسطينية لليهود (1880-1948): الأرقام والسياق التاريخي (مقال)

 تحليل مسألة بيع الأراضي الفلسطينية لليهود (1880-1948): الأرقام والسياق التاريخي


## مقدمة


تُعد مسألة انتقال ملكية الأراضي الفلسطينية إلى المستوطنين اليهود خلال الفترة الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر حتى قيام دولة إسرائيل في عام 1948 من القضايا المعقدة في التاريخ الفلسطيني الحديث. يتناول هذا المقال تحليلاً مفصلاً للظروف الاقتصادية والسياسية والقانونية التي أدت إلى انتقال جزء من الأراضي الفلسطينية إلى المؤسسات الصهيونية، مع التركيز على الأرقام والنسب المئوية المتعلقة بعمليات البيع، ومصادر الأراضي، وهوية البائعين.


## السياق التاريخي: فلسطين في أواخر الحكم العثماني


### النظام العقاري العثماني


كانت فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وكان نظام ملكية الأراضي فيها يتبع النظام العثماني الذي قسم الأراضي إلى عدة أنواع:


1. **أراضي الملك**: أراضٍ مملوكة ملكية خاصة مع حقوق كاملة في التصرف والبيع.

2. **أراضي الميري**: أراضٍ تعود ملكيتها للدولة مع حق الانتفاع للمزارعين.

3. **أراضي الوقف**: أراضٍ محبوسة لأغراض دينية أو خيرية.

4. **أراضي المشاع**: أراضٍ مشتركة تستخدم من قبل القرى للرعي وغيرها.

5. **أراضي الموات**: أراضٍ بور غير مستغلة.


### قانون الأراضي العثماني 1858 وتأثيره


شكل قانون الأراضي العثماني لعام 1858 نقطة تحول مهمة، حيث هدف إلى:

- تسجيل الأراضي باسم مستخدميها الفعليين.

- زيادة عائدات الضرائب للدولة العثمانية.

- تحديث نظام الملكية العقارية.


لكن هذا القانون أدى إلى نتائج غير مقصودة، إذ امتنع كثير من الفلاحين عن تسجيل أراضيهم خوفاً من:

- التجنيد الإلزامي في الجيش العثماني.

- زيادة الضرائب.

- تكاليف التسجيل العالية.


نتيجة لذلك، سُجلت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية باسم:

- كبار الملاكين والأعيان المحليين (الأفندية).

- عائلات مقيمة خارج فلسطين (ملاك غائبين).

- الدولة العثمانية نفسها.


## بداية الاستيطان اليهودي والمؤسسات الصهيونية لشراء الأراضي


### الموجة الأولى من الهجرة اليهودية (1882-1903)


بدأت عمليات شراء الأراضي المنظمة مع الموجة الأولى من الهجرة اليهودية (الهجرة الأولى) إلى فلسطين، وتأسست أول المستوطنات مثل بتاح تكفا (1878) وريشون لتسيون (1882).


### المؤسسات الرئيسية لشراء الأراضي


تأسست عدة مؤسسات لشراء الأراضي في فلسطين لصالح المستوطنين اليهود:


1. **صندوق الاستكشاف الفلسطيني (PICA)**: أسسه البارون إدموند دي روتشيلد عام 1882، وكان من أوائل المؤسسات التي اشترت أراضٍ في فلسطين.


2. **الصندوق القومي اليهودي (JNF/KKL)**: تأسس عام 1901 كذراع للمنظمة الصهيونية العالمية بهدف شراء الأراضي في فلسطين وتوطين اليهود عليها. وضع مبدأً أساسياً بأن الأراضي التي يشتريها تصبح "ملكاً للشعب اليهودي" ولا يمكن بيعها لغير اليهود.


3. **شركة تطوير أراضي فلسطين (PLDC)**: تأسست عام 1908 كشركة خاصة للمضاربة والاستثمار العقاري.


4. **يهوشع حانكين**: وكيل شراء أراضٍ نشط عمل لصالح المؤسسات الصهيونية وأشرف على صفقات شراء واسعة.


## الأرقام والنسب: حجم الأراضي المباعة (1880-1948)


### إجمالي مساحة الأراضي المشتراة


وفقاً للإحصاءات المتاحة من مصادر متعددة، بلغ إجمالي الأراضي التي انتقلت ملكيتها إلى المؤسسات والمستوطنين اليهود حتى عام 1948 حوالي 1.9-2 مليون دونم (الدونم = 1000 متر مربع)، أي ما يعادل نحو 6-7% من إجمالي مساحة فلسطين الانتدابية البالغة حوالي 27 مليون دونم.


### توزيع المشتريات حسب الفترات الزمنية


يمكن تقسيم عمليات الشراء إلى عدة مراحل:


1. **قبل عام 1900**: تم شراء حوالي 218,000 دونم (11% من إجمالي المشتريات).

2. **1900-1914**: تم شراء حوالي 387,000 دونم (20% من إجمالي المشتريات).

3. **1914-1922**: تم شراء حوالي 243,000 دونم (12.5% من إجمالي المشتريات).

4. **1923-1939**: تم شراء حوالي 872,000 دونم (45% من إجمالي المشتريات).

5. **1940-1947**: تم شراء حوالي 280,000 دونم (14.5% من إجمالي المشتريات).


### التوزيع الجغرافي للأراضي المشتراة


تركزت عمليات الشراء في مناطق محددة:


1. **سهل مرج بن عامر (وادي يزرعيل)**: حوالي 400,000 دونم (20% من إجمالي المشتريات).

2. **السهل الساحلي**: حوالي 550,000 دونم (28% من إجمالي المشتريات).

3. **منطقة الجليل**: حوالي 600,000 دونم (31% من إجمالي المشتريات).

4. **منطقة القدس وضواحيها**: حوالي 165,000 دونم (8.5% من إجمالي المشتريات).

5. **مناطق أخرى**: حوالي 235,000 دونم (12.5% من إجمالي المشتريات).


## هوية البائعين: من باع الأراضي؟


تكشف الدراسات التاريخية أن مصادر الأراضي التي تم بيعها للمؤسسات اليهودية تنوعت على النحو التالي:


### حسب جنسية البائعين


1. **ملاك أراضٍ فلسطينيون مقيمون**: حوالي 630,000 دونم (33% من إجمالي المشتريات).

2. **ملاك أراضٍ فلسطينيون غير مقيمين (ملاك غائبون)**: حوالي 625,000 دونم (32.5% من إجمالي المشتريات).

3. **ملاك لبنانيون وسوريون**: حوالي 280,000 دونم (14.5% من إجمالي المشتريات).

4. **أراضٍ حكومية (عثمانية ثم بريطانية)**: حوالي 200,000 دونم (10.5% من إجمالي المشتريات).

5. **شركات وكنائس وأوقاف غير إسلامية**: حوالي 185,000 دونم (9.5% من إجمالي المشتريات).


### حسب الفئة الاجتماعية للبائعين

1. **كبار الملاكين (أكثر من 1000 دونم)**: حوالي 1,070,000 دونم (55.5% من إجمالي المشتريات).

2. **متوسطو الملاكين (100-1000 دونم)**: حوالي 480,000 دونم (25% من إجمالي المشتريات).

3. **صغار الملاكين (أقل من 100 دونم)**: حوالي 170,000 دونم (9% من إجمالي المشتريات).

4. **أراضٍ حكومية وأخرى**: حوالي 200,000 دونم (10.5% من إجمالي المشتريات).


## العوامل المؤثرة في عمليات بيع الأراضي

### عوامل اقتصادية

1. **المديونية العالية لكبار الملاكين**: كان كثير من الملاكين الكبار مثقلين بالديون للبنوك والمرابين.

2. **ارتفاع أسعار الأراضي**: دفعت المؤسسات الصهيونية أسعاراً مرتفعة (3-10 أضعاف السعر السائد) مما شكل إغراءً للبيع.

3. **الأزمات الاقتصادية**: تسببت أزمات مثل الحرب العالمية الأولى والكساد الكبير في تدهور الأوضاع الاقتصادية في فلسطين.

4. **تحول نمط الاقتصاد**: ساهم التحول من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد السوق في زيادة الضغوط على المزارعين.


### عوامل سياسية وإدارية

1. **سياسات الانتداب البريطاني (1920-1948)**: سهلت بريطانيا عمليات انتقال الأراضي ودعمت المشروع الصهيوني.

2. **قوانين الأراضي**: تم تعديل قوانين الأراضي لتسهيل عمليات البيع ونقل الملكية.

3. **ضعف المقاومة المنظمة**: لم تتبلور حركة وطنية قوية معارضة لبيع الأراضي إلا في الثلاثينيات.


### عوامل ثقافية واجتماعية

1. **النظرة التقليدية للأرض**: عدم إدراك بعض البائعين للأبعاد السياسية لبيع الأراضي.

2. **الملكية الغائبة**: عدم وجود صلة مباشرة بين الملاك الغائبين والأرض.

3. **الوسطاء والسماسرة**: لعب الوسطاء دوراً مهماً في تسهيل عمليات البيع دون معرفة الهوية النهائية للمشتري.


## ردود الفعل الفلسطينية تجاه بيع الأراضي


### المعارضة الشعبية والرسمية

تطورت المعارضة الفلسطينية لبيع الأراضي تدريجياً:

1. المؤتمرات الفلسطينية: أصدرت المؤتمرات الفلسطينية (1919-1928) قرارات تحرم بيع الأراضي لليهود.

2. فتاوى التحريم: أصدر علماء الدين المسلمون فتاوى تحرم بيع الأراضي لليهود.

3. الحملات الإعلامية: نشطت الصحف الفلسطينية في التحذير من مخاطر بيع الأراضي.

4. المقاطعة الاجتماعية: فرضت مقاطعة اجتماعية على بائعي الأراضي وتم وصمهم بالخيانة.


### الإجراءات العملية

اتخذت عدة إجراءات عملية للحد من بيع الأراضي:

1. **تأسيس صناديق لإنقاذ الأراضي**: مثل "صندوق الأمة" عام 1931 لشراء الأراضي المعرضة للبيع.

2. **الضغط على الانتداب البريطاني**: للحد من انتقال الأراضي من خلال تغيير التشريعات.

3. **مقاومة مسلحة**: ظهرت في الثلاثينيات عمليات ضد سماسرة الأراضي وبائعيها.


## الخلاصة: تقييم حجم ظاهرة بيع الأراضي

من خلال تحليل الأرقام والنسب، يمكن استخلاص النتائج التالية:

1. الحجم النسبي: رغم الانطباع السائد، فإن نسبة الأراضي التي انتقلت ملكيتها إلى المؤسسات والمستوطنين اليهود حتى عام 1948 لم تتجاوز 7% من مساحة فلسطين الإجمالية، لكنها كانت تشمل بعض أخصب الأراضي الزراعية.

2. هوية البائعين: شكل الملاك الفلسطينيون (المقيمون والغائبون) مصدر حوالي 65.5% من الأراضي المباعة، مع تركز كبير للمبيعات في يد فئة محدودة من كبار الملاكين.

3. الأهمية الاستراتيجية: رغم محدودية النسبة المئوية، فإن هذه الأراضي شكلت القاعدة الأساسية للاستيطان اليهودي والنواة الأولى لدولة إسرائيل لاحقاً، خاصة مع تركزها في مناطق استراتيجية مثل السهل الساحلي ومرج بن عامر.

4. الدور البريطاني: لعب الانتداب البريطاني دوراً حاسماً في تسهيل انتقال الأراضي، خاصة من خلال تقديم أراضٍ حكومية وتطوير تشريعات سهلت عمليات البيع.

5. التطور التاريخي للظاهرة: ازدادت عمليات شراء الأراضي بشكل كبير في فترة الثلاثينيات، لكنها تراجعت في الأربعينيات مع تصاعد المقاومة الفلسطينية وتشديد القيود على بيع الأراضي.


## المصادر والمراجع

استند هذا المقال إلى مصادر متعددة تشمل دراسات أكاديمية ووثائق رسمية من:

1. أرشيف الصندوق القومي اليهودي.

2. تقارير وإحصاءات الانتداب البريطاني.

3. دراسات الباحثين الفلسطينيين والإسرائيليين المتخصصين في قضايا الأراضي.

4. الوثائق العثمانية المتعلقة بملكية الأراضي في فلسطين.

5. سجلات المحاكم والطابو العثمانية والبريطانية.


***


ملاحظة: تتفاوت الأرقام والإحصاءات الواردة في هذا المقال بين المصادر المختلفة، وقد تم اعتماد المتوسطات التقريبية من المصادر الأكثر موثوقية وشمولية.

🟡 حلم الوصول إلى القمر (قصة قصيرة)

 حلم الوصول إلى القمر


كان ياما كان في قديم الزمان، في حي صغير يقع بين الجبال الخضراء والسهول الممتدة، عاش طفل صغير اسمه سامي. كان سامي في السابعة من عمره، نحيل الجسم، أشعث الشعر، تلمع في عينيه الواسعتين نظرة فضول لا تنطفئ. كان يرتدي دائماً قميصاً أزرق بأكمام مطوية ويحمل دفتراً صغيراً في جيبه الأيمن لتدوين ملاحظاته وأفكاره.


منذ أن كان سامي في الرابعة من عمره، كان مفتوناً بالنجوم. كل ليلة، يتسلل إلى سطح منزل عائلته المتواضع، حاملاً معه بطانية صغيرة زرقاء مرقّطة بالنجوم، هدية من جدته في عيد ميلاده الماضي. يفرش البطانية ويستلقي عليها ناظراً إلى السماء الواسعة، متأملاً النجوم المتلألئة والقمر الفضي اللامع.


في إحدى الليالي الصافية، بينما كان سامي مستلقياً على السطح كالعادة، لمع القمر بشكل غير عادي، كأنه يناديه. شعر سامي بنبضات قلبه تتسارع وهمس لنفسه: "يوماً ما، سأصل إليك أيها القمر البعيد". ومنذ تلك الليلة، أصبح حلم الوصول إلى القمر هو شغل سامي الشاغل.


بدأ سامي رحلة البحث والمعرفة. كان يقضي ساعات طويلة في مكتبة المدرسة يقرأ كل ما يستطيع الحصول عليه عن الفضاء والأقمار والكواكب. كان يحفظ أسماء رواد الفضاء ويعرف تفاصيل رحلاتهم. علّق على جدران غرفته صوراً للصواريخ ومركبات الفضاء. وفي أوقات فراغه، كان يصنع نماذج صغيرة لمركبات فضائية من علب الكرتون الفارغة والأوراق الملونة.


لاحظت معلمة العلوم في المدرسة، السيدة سلمى، شغف سامي بالفضاء. كانت امرأة في الأربعين من عمرها، طويلة القامة، ترتدي نظارات مستديرة تعطيها مظهر العالِمة. ذات يوم، بعد انتهاء الدرس، دعت سامي للبقاء.


"سامي، لقد لاحظت حبك الشديد للفضاء،" قالت بابتسامة دافئة. "لدي شيء قد يعجبك."


أخرجت من درج مكتبها كتاباً قديماً عنوانه "رحلة إلى القمر". كان غلاف الكتاب مزيناً برسم لصاروخ فضائي يتجه نحو القمر.


"هذا الكتاب كان ملكي عندما كنت في مثل عمرك،" أوضحت المعلمة. "أعتقد أنه سيكون أكثر فائدة معك الآن."


تلقى سامي الكتاب بعينين متسعتين من الدهشة والامتنان. "شكراً جزيلاً يا آنسة سلمى!"


في تلك الليلة، لم يستطع سامي النوم. قرأ الكتاب بشغف، متخيلاً نفسه داخل الصاروخ المتجه إلى القمر. كان الكتاب يحتوي على معلومات علمية دقيقة عن القمر، مقدمة بأسلوب قصصي شيق. شعر سامي كأنه اكتشف كنزاً ثميناً.


في اليوم التالي، أعلن سامي لوالديه عن رغبته في أن يصبح رائد فضاء. نظر الأب، عامل البناء البسيط، إلى زوجته بارتباك. كانت الأم، خياطة ماهرة تعمل من المنزل، تحاول دائماً تشجيع ابنها على الحلم، لكنها كانت تخشى أن يصطدم بواقع قاس.


"يا بني، الوصول إلى القمر ليس بالأمر السهل،" قال الأب بنبرة حذرة. "يحتاج الأمر إلى سنوات طويلة من الدراسة والتدريب."


ابتسم سامي بثقة وقال: "أعرف يا أبي، وأنا مستعد للعمل الجاد. سأدرس بجد وسأتدرب كل يوم."


تأثرت الأم بعزيمة ابنها وقالت: "إذا كان هذا ما تريده حقاً يا سامي، فنحن سندعمك."


بدأ سامي في تنفيذ خطته بجدية. صمم لنفسه برنامجاً تدريبياً يومياً يشمل تمارين رياضية كان يعتقد أنها تشبه تدريبات رواد الفضاء. كان يجري حول الحي كل صباح، يقفز على الحبل، ويقوم بتمارين التوازن. وفي المساء، كان يحل مسائل الرياضيات والفيزياء التي كانت تتجاوز مستوى صفه بكثير.


في عيد ميلاده الثامن، فاجأه والداه بهدية لم يكن يتوقعها: تلسكوب صغير. لم يكن تلسكوباً غالي الثمن، بل كان تلسكوباً مستعملاً اشتراه الأب من سوق الأغراض المستعملة بعد أن ادخر لشهور. لكن بالنسبة لسامي، كان أثمن من الذهب.


تلك الليلة، نصب سامي التلسكوب على سطح المنزل، ووجهه نحو القمر. للمرة الأولى، رأى فوهات القمر وجباله وسهوله بوضوح. شعر بدموع الفرح تملأ عينيه.


"أراك الآن بوضوح أيها القمر العظيم،" همس سامي. "وقريباً، سأزورك."


مع مرور الأيام، أصبح سامي معروفاً في الحي باسم "فتى القمر". كان الأطفال يسخرون منه أحياناً، لكنه لم يكن يهتم. كان إيمانه بحلمه أقوى من كل السخرية.


في أحد الأيام، أعلنت المدرسة عن مسابقة للعلوم. كان على كل طالب تقديم مشروع علمي أصيل. لم يتردد سامي للحظة، قرر أن يبني نموذجاً لمركبة فضائية يمكنها الهبوط على القمر.


عمل سامي بجد لمدة أسابيع. استخدم مواد بسيطة: علب فارغة، ورق ألومنيوم، أسلاك معدنية، وبطاريات صغيرة. صمم المركبة بحيث تضيء مصابيحها عند الضغط على زر صغير. وأضاف لوحة تحكم مفصلة بأزرار ومؤشرات.


يوم المسابقة، وقف سامي أمام لجنة التحكيم المكونة من معلمي العلوم وبعض المهندسين المتطوعين من المجتمع المحلي. شرح سامي بحماس كيف صمم المركبة، والمبادئ العلمية التي استخدمها، وكيف يمكن لمثل هذه المركبة أن تهبط على سطح القمر.


فاز سامي بالمركز الأول في المسابقة. كانت الجائزة زيارة إلى مركز الفضاء الوطني في العاصمة، برفقة والديه والسيدة سلمى.


كانت الزيارة تجربة غيرت حياة سامي. رأى نماذج حقيقية للصواريخ ومركبات الفضاء. التقى برائد فضاء متقاعد كان قد قرأ عنه في الكتب. سأله سامي بشغف: "كيف يمكنني أن أصبح رائد فضاء مثلك؟"


ابتسم رائد الفضاء وقال: "عليك أن تؤمن بنفسك وبحلمك. ادرس بجد، خاصة الرياضيات والعلوم. حافظ على لياقتك البدنية. ولا تستسلم أبداً."


عاد سامي من الرحلة وقد تضاعفت عزيمته. بدأ يدرس بجدية أكبر، واستمر في تنفيذ برنامجه التدريبي. كان يتابع أخبار الفضاء باستمرار ويحتفظ بملف كامل عن البعثات الفضائية الحديثة.


وفي كل ليلة، قبل أن ينام، كان سامي يخرج إلى السطح، ينظر إلى القمر ويهمس: "انتظرني أيها القمر، سأصل إليك يوماً ما."


مرت السنوات، وكبر سامي وكبر معه حلمه. تفوق في دراسته، خاصة في الرياضيات والفيزياء. حصل على منحة دراسية في أفضل جامعة لدراسة هندسة الفضاء. وبعد سنوات من العمل الجاد والتدريب المكثف، تحقق حلمه أخيراً: تم اختياره ضمن فريق رواد الفضاء المتجهين إلى القمر في مهمة استكشافية جديدة.


يوم انطلاق الصاروخ، وقف والدا سامي والسيدة سلمى، التي أصبحت الآن في السبعين من عمرها، يشاهدون بفخر ودموع. وبينما كان الصاروخ ينطلق محلقاً نحو الفضاء اللانهائي، كان سامي يحمل معه البطانية الصغيرة المرقطة بالنجوم، ونسخة من كتاب "رحلة إلى القمر" الذي أعطته إياه المعلمة سلمى منذ سنوات طويلة.


وعندما وطأت قدماه سطح القمر للمرة الأولى، نظر سامي إلى الأرض البعيدة، تلك النقطة الزرقاء المتلألئة، وهمس: "لكل حلم بداية، ولكل رحلة خطوة أولى."


وهكذا، أصبح الطفل الفضولي الذي كان يحلم بالوصول إلى القمر، رائد فضاء يمشي على سطحه. لم يكن الأمر سهلاً، لكن إيمانه بحلمه، ودعم من حوله، وعمله الجاد، كل ذلك جعل المستحيل ممكناً.


وتبقى قصة سامي تذكيراً لكل طفل بأن الأحلام، مهما بدت بعيدة، يمكن أن تتحقق إذا آمنت بها وعملت من أجلها بإصرار وشغف.


* * *

🟡 حارس الجبل (قصة قصيرة)

حارس الجبل


في قرية "وادي النسيان" النائية، المختبئة بين ثنايا جبال شاهقة وغابات كثيفة، عاش رجل يدعى سليم. كان الجميع في القرية يطلقون عليه "المجنون"، وكانوا يبتعدون عن طريقه كلما مر بجانبهم، وكان الأطفال يرمونه بالحجارة أحيانًا ويهربون ضاحكين.


كان سليم في السبعين من عمره، نحيل الجسد، طويل القامة، ذو لحية بيضاء كثيفة غير مهذبة تتناثر فيها بقايا طعام وأوراق شجر صغيرة. كانت عيناه زرقاوان غائرتان، تلمعان بشكل غريب حتى في الظلام. كان يرتدي دائمًا معطفًا باليًا رماديًا طويلًا، ممزقًا من عدة أماكن، وتحته قميصًا مهترئًا وسروالًا بني اللون مليئًا بالرقع.


كان منزل سليم كوخًا صغيرًا من الطين والخشب، بناه بنفسه على سفح الجبل المطل على القرية. وكان ينفرد به وحيدًا، بعيدًا عن الناس. لم يكن أحد يزوره سوى قطة سوداء هزيلة كان يطعمها ببقايا طعامه، ويحدثها كأنها إنسان يفهم.


في كل صباح، كان سليم يخرج من كوخه حاملًا عصا خشبية سميكة منحوتة بأشكال غريبة، ويمشي بخطوات بطيئة متعرجة، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة. كان يتجه دائمًا إلى قمة الجبل، حيث يقف هناك لساعات طويلة وهو يحدق في الأفق، ويشير بعصاه نحو السماء أحيانًا، ويصرخ بكلمات مبهمة.


في أمسيات الشتاء الباردة، كان سكان القرية يجتمعون حول مواقد النار، ويتبادلون القصص والحكايات، وكثيرًا ما كان سليم "المجنون" موضوع حديثهم.


قال العجوز حسن، أكبر رجال القرية سنًا: "كان سليم في شبابه شاعرًا موهوبًا، وكان الناس يأتون من قرى بعيدة ليستمعوا إليه وهو ينشد قصائده. لكن في يوم من الأيام، أحب فتاة جميلة تدعى ليلى، وأراد أن يتزوجها، لكن أهلها رفضوا وزوجوها من رجل غني من قرية مجاورة."


وأضافت العجوز فاطمة: "بعد زواج ليلى، انعزل سليم عن الناس، وتوقف عن إنشاد الشعر، وبدأ يتصرف بغرابة. وفي ليلة عاصفة، اختفى لعدة أيام، ثم عاد وهو في حالة غريبة، وكان يقول إنه تحدث مع الجبل، وأن الجبل أخبره بأسرار كثيرة."


ضحك بعض الشباب من هذه القصص، لكن كبار السن كانوا يستمعون باهتمام ورهبة.


كان الجميع يعتقدون أن سليم مجنون، لكن في حقيقة الأمر، كان سليم يحمل سرًا عميقًا لم يكن أحد في القرية يعرفه.


ففي تلك الليلة العاصفة التي اختفى فيها، صعد سليم إلى قمة الجبل، وهناك، في كهف صغير خفي، اكتشف نقوشًا قديمة على الجدران تروي قصة قديمة عن كارثة طبيعية ستحل بالقرية بعد مئات السنين. ومنذ ذلك اليوم، أخذ سليم على عاتقه مهمة حماية القرية من هذه الكارثة.


كان صعوده اليومي إلى الجبل ليس مجرد نزهة لمجنون، بل كان يراقب علامات معينة في السماء وفي الطبيعة، وكان يقوم بطقوس غريبة تعلمها من تلك النقوش، معتقدًا أنها ستبعد الخطر عن القرية.


وفي يوم من أيام الشتاء القاسية، لم يظهر سليم كعادته. مر اليوم دون أن يراه أحد. وفي اليوم التالي، تسلق بعض الشباب الشجعان إلى كوخه ليتفقدوه، فوجدوه ممددًا على سريره البسيط، فاقد الحياة، وعلى وجهه ابتسامة غريبة هادئة، وبجانبه كانت قطته السوداء تموء بحزن.


بعد دفن سليم، قرر بعض الفضوليين تفتيش كوخه. وهناك، وجدوا مئات الأوراق المليئة بالكتابات والرسومات، ومذكرات يومية دونها على مدى عقود. ولدهشتهم، اكتشفوا أن سليم لم يكن مجنونًا كما اعتقدوا، بل كان عالمًا وشاعرًا ومراقبًا دقيقًا للطبيعة.


في مذكراته، كتب سليم عن النقوش التي اكتشفها، وعن التحذير من زلزال مدمر سيضرب المنطقة. وقد لاحظ على مدى سنوات تغيرات طفيفة في الطبيعة، وتنبأ بأن الزلزال سيحدث خلال شهر من وفاته.


بدأ الناس في القرية ينظرون إلى مذكرات سليم بجدية متزايدة، خاصة بعد أن لاحظوا بعض العلامات التي وصفها. وبعد أسبوعين من وفاته، قرر سكان القرية الاستماع إلى تحذيراته واتخاذ الاحتياطات. نقلوا ماشيتهم وأغراضهم الثمينة إلى منطقة أكثر أمانًا، وبعضهم غادر القرية مؤقتًا.


وبالفعل، في اليوم الثلاثين بعد وفاة سليم، ضرب زلزال قوي المنطقة، مدمرًا جزءًا كبيرًا من القرية. لكن بفضل تحذيرات سليم، لم يفقد أحد حياته، وتمكن الناس من إنقاذ الكثير من ممتلكاتهم.


بعد إعادة بناء القرية، شيد السكان نصبًا تذكاريًا لسليم على قمة الجبل، وأصبحت قصته تروى للأجيال الجديدة ليس كقصة مجنون، بل كقصة رجل حكيم فهم لغة الطبيعة، ووهب حياته لحماية قريته، رغم سخريتهم منه واستهزائهم به.


ومنذ ذلك الحين، عندما تهب الرياح بقوة بين جبال وادي النسيان، يقول الناس إنها صوت سليم، حارس الجبل، الذي ما زال يراقب القرية ويحميها من بعيد.

🔴 Bacha Bazi: Le phénomène, ses racines et les solutions possibles

Bacha Bazi: Le phénomène, ses racines et les solutions possibles . . Qu’est-ce que le Bacha Bazi ?   Le Bacha Bazi, qui signifie en persan «...